Top

قصة صعود "سديم"..من مختبرات كاوست الى مدن العالم

أعضاء من فريق سديم أثناء تثبيت أجهزة استشعار المدن الذكية والخاصة برصد البيئة، والفيضانات، وحركة المرور. الصورة بعدسة خلود معاذ.

بقلم كيتلن كلارك، أخبار كاوست

في نهايات العام 2016  جذبت شركة ناشئة سعودية انتباه المراقبين الدوليين بسبب توفيرها لحلول المدن الذكية في مجال مراقبة الفيضانات وحركة المروروالبيئة وما يتبع ذلك منتوفير للمال والأرواح في الوقت الحقيقي. هذا الامراهل الشركة للفوز بجائزة أفضل شركة عالمية ناشئة في النسخة السابع والثلاثين لمعرض الخليج لتقنية المعلومات (GITEX) الذي أقيم في مدينة دبي، في الإمارات العربية المتحدة في عام 2017. تلك الشركة، التي حملت أسم سديم (Sadeem)،  تأسست  كشركة ناشئة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) في عام 2016 بواسطة ثلاثة من خريجي درجة الدكتوراة في الجامعة، هم الدكتور مصطفى موسى، والدكتور أحمد دحوة، والدكتور إستيبان كانيبا، إضافة الى البروفيسور السابق في كاوست الاستاذ كريستيان كلاوديل، حيث قدمت الشركة أول تقنية من نوعها في العالم تضم براءتي اختراع، الأولى لرصد الفيضانات والثانية لرصد وإدارة حركة المرور. وبحسب الدكتور دحوة فلقد كان هذا الإنجاز بمثابة دليل قاطع على أن المستقبل أمام سديم يبدو واعدا جداً، ليس فقط على المستوى المحلي.  ومنذ تلك اللحظة قرر الفريق " أن يجعل من سديم شيئًا حقيقيًا بكل معنى الكلمة" بحسب قول  الدكتور كانيبا.

توالى الاهتمام العالمي بسديم  وذلك بعد انطلاقتها الرسمية في المملكة العربية السعودية في يناير 2018، عندما بدأت المنظمات والبلديات والعملاء المحتملين من جميع أنحاء العالم بإظهار اهتمامهم بالتقنية التي تطورها الشركة.   يعلق الدكتور دحوة على تلك الفترة بقوله : " بدأنا في التركيز على تشكيل الشركة بكامل أقسامها من حيث التوظيف ووضع نموذج العمل، والحصول على التمويل والأنظمة الأخرى الضرورية لتشغيل الشركة. وبصرف النظر عن حجم الشركة، فهناك بعض الأساسيات التي يجب أن تمتلكها. لقد خططنا أن تكون سديم قادرة على استيعاب التوسع المحتمل في المستقبل، وأن تكون جاذبة لموظفين جدد موهوبين، كما عملنا على بناء ملف عالمي للتعريف بالشركة".

بالتزامن مع بناء الشركة وتأسيس فريق العمل، قامت سديم بتنفيذ أربعة مشاريع رئيسية في عام 2018، شملت تثبيت أجهزة استشعار خاصة بالمدن الذكية في كل من مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي مكسيكو سيتي في الولايات المتحدة، وفي المدينة المنورة. وتقوم أجهزة الاستشعار هذه في كل موقع برصد الظروف التي يطلبها مخططو المدن والجهات الحكومية، بالنسبة لمدينة أوستن، تقوم هذه الأجهزة برصد الجليد والفيضانات، أما في دولة الإمارات ومكسيكو سيتي، فالرصد يكون للفيضانات وحركة المرور، وفي المدينة المنورة تم تخصيص هذه الأجهزة لرصد حركة المرور والفيضانات وجودة الهواء.

المدينة الرقمية

يعتبر مشروع شركة سديم في المدينة المنورة المشروع الأكثر طموحًا لها حتى الآن، كونها ثاني أقدس بقاع الأرض في العالم الإسلامي بعد مكة المكرمة، كما انها تستقبل ملايين الحجاج الذين يرغبون في زيارة المسجد النبوي والأماكن المقدسة كل عام. 

ويشرح ح الدكتور مصطفى موسى قصة هذا المشروع وبداياته بقوله : "كان لهيئة تطوير المدينة المنورة اهتمام كبير بالتقنيات الذكية ورقمنة المدينة. لذلك تواصلوا معنا لاستخدام تقنياتنا خصوصاً أجهزة الاستشعار التي طورناها. حيث تقوم أجهزة الاستشعار المنتشرة في جميع أنحاء المدينة بجمع المعلومات وإرسالها إلى قاعدة بيانات، ثم عرضها وتصويرها على النظام الأساسي. ويمكن لهيئة التطوير بعد ذلك رصد هذه المعلومات بشكل يومي أو كل ساعة، وتحليلها كي تستخدمها في تحسين مرافق وخدمات المدينة وتطوير البنية التحتية وجودة الحياة للمقيمين والزوار على حد سواء".

ولقد طلبت هيئة تطوير المدينة المنورة من سديم استخدام جهاز خاص  برصد جودة الهواء والظروف البيئية، والذي يطلق عليه اسم أورا (Aura)، وكان جهاز الاستشعار هذا قيد التطوير وليس جاهزًا تمامًا، ولكن الفريق استطاع الانتهاء من تطوير الجهاز في وقت قياسي واستخدامه ميدانياً والحصول على نتائج ممتازة أشادت بها هيئة التطوير.

ويوضح الدكتور أحمد دحوة  بأن القيمة الحقيقية لهذه التقنية لا تقدر بثمن، ويتابع " باستثمار صغير في منتجنا، استطاعت المدينة تحقيق عائد كبير من بنيتها التحتية. على سبيل المثال، من خلال رصد جودة الهواء، يمكن رفع مستوى الوعي الصحي في منطقة ما وبالتالي تقليل الضغط على المستشفيات المحلية، مما يقلل أيضًا من حركة المرور في نفس المنطقة".

أجهزة استشعار سديم: جهاز أورا (Aura) الخاص برصد جودة الهواء (يسار)، وجهاز إكوا (Equa) لرصد الفيضانات وحركة المرور (يمين). الصورة بعدسة خلود معاذ.

تطوير الحلول

من جانبه يشرح الدكتور مصطفى موسى أن هدف سديم هو توسيع أعمالها وشبكة خدماتها وفي نفس الوقت مواصلة تطوير حلولها التقنية خصوصاً جهاز أورا (Aura) الخاص برصد جودة الهواء، وجهاز إكوا (Equa) لرصد الفيضانات وحركة المرور الذي استخدموه في مشاريعهم الرائدة في المناطق الحضرية في مدينة مكسيكو سيتي الامريكية وفي الإمارات العربية المتحدة. 

وفي هذا السياق،   يشيرالدكتور إستيبان كانيبا  الى ان هذه المشاريع شكلت اللبنة الأولى لبدء  الشراكةمع الحكومات المختلفة. ويضيف "جدير بالذكر، أن في بعض المناطق، يتم تبني تقنيتنا بسهولة أكبر من غيرها بحسب ثقافة المدينة وبعض العوامل الأخرى. ولكن المهم بالنسبة لنا هو الخبرة التي نكتسبها من كل مشروع، والتي من خلالها يمكننا انجاز مشاريع أكثر طموحًا وتطوير حلول مستقبلية أكثر فاعلية". 

في عام 2019  شرع فريق سديم  في مشروع فريد من نوعه لتركيب سبعة أجهزة استشعار للفيضانات وحركة المرور والرصد البيئي في مدينة الطائف في أقل من يوم واحد. وسيتم ربط النظام مباشرة بمركز إدارة الأزمات والكوارث في المدينة، ويعتبر هذا المشروع الأول من نوعه للشركة. ويبين  الدكتور أحمد دحوة  ان انظمة سديم تعمل بنظام التوصيل والتشغيل الفوري، وهي متطورة ومريحة ولا تتطلب توصيلها بالبنية التحتية للمدينة، فضلاً عن سرعة تثبيتها وسهولة عملها وتكاملها مع الحلول الأخرى دون أي تكلفة إضافية.

موظفات سديم يعتبرن أن بيئة العمل في الشركات الناشئة هي بيئة ممتازة وجاذبة للعمل. (في الصورة من اليسار إلى اليمين): الموظفة السابقة نجود الزهراني والموظفون الحاليون سميه شفاعمري ولبنى الحاج سالم وعلياء الجابري. الصورة بعدسة خلود معاذ.

عائلة "سديم"

في العام 2018 كان أحمد الهادي، الخريج الحديث في هندسة الحاسب الآلي  من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، هو أول موظف يتم تعينه في سديم.  ب وسرعان ما توسعت الشركة إلى 10 موظفين بدوام كامل من ستة دول مختلفة، 40 في المائة منهم إناث.

لقد  انفرد فريق سديم بمميزات عديدة من ضمنها التعدد الثقافي للمجموعة، وفي ذلك يقول الدكتور كانيبا:"لقد استثمرنا الكثير في تهيئة فريق العمل والذي أصبح جزءً أساسياً من هويتنا العالمية. إن تعدد ثقافاتنا يسمح لنا بدخول الأسواق بسهولة أكبر -نحن نتحدث لغات مختلفة ونفهم طرق التعامل مع الأشخاص من الثقافات المختلفة".

ويضيف الدكتور دحوة:  ان أحد أعظم  نجاحات سديم حتى الآن هو  فريقهاالمتميز الذي أسهم فعلاً في بلوغ تقنياتنا إلى أعلى المستويات.

ولعل أكثر ما يميز موظفي سديم أنهم لا يحصرون عملهم بما هو موجود في وصفهم الوظيفي فقط، بل يشاركون بانتظام في جميع جوانب الشركة، من تنظيف المختبر إلى تجميع دوائر أجهزة الاستشعار إلى مقابلة المستثمرين أو العملاء المحتملين.

وحول المواصفات المطلوبة للموظفين الراغبين في الانضمام الى الفريق العامل،  يجيب الدكتور مصطفى موسى: "نريد أشخاصاً في فريقنا يمتلكون أداءً متميزاً يليق بأدائنا وطموحنا أو يتفوق عليه. نريدهم مبدعين ومبتكرين ويمتلكون زمام المبادرة. لقد كان العثور على أشخاص مثل ذلك مهمة صعبة جداً خصوصاً أنه كان يتعين عليهم البدء مع الشركة من نقطة الصفر".

من جانبه يشيرالدكتور دحوة الى مشاركة موظفي الشركة حرية البحث والاستكشاف وإطلاق العنان لقدراتهم وتصميم الحلول وبناء الأشياء. ويتابع: "إن ما تتعلمه في سنة واحدة في شركة ناشئة ناجحة يوازي ما تتعلمه خلال سنتين إلى ثلاث سنوات في الشركات الأكبر حجمًا، حيث أنك غالباً ما تشارك في كافة الجوانب المتعلقة بالشركة".

ويضيف الدكتور كانيبا: "ما تفعله كموظف في سديم مؤثر ومهم للغاية. حيث أن موهبتك هي من تطور التقنيات التي تساعدنا على وضع حلول ناجعة للتحديات المستقبلية".

مارلون دياز (في الوسط) ، اختصاصيأجهزة سديم ، أثناء عمله في مختبر الشركة على جهاز استشعار مع المؤسس المشارك الدكتور أحمد دحوة (يسار) والموظف أحمد الهادي (يمين). الصورة بعدسة خلود معاذ.

خلق الفرص  للشباب

الشركات الناشئة مثل سديم غالباً ما تكون قاعدة انطلاق للمبرمجين والمهندسين الشباب المبدعين، لذلك تواصل الشركة البحث عن الكوادر الأفضل في المملكة للعمل لديها.

سمية شفاعمري، مهندسة برمجيات في سديم، أرادت دائمًا العمل في شركة ناشئة. وتمكنت من تحقيق ذلك بعد تخرجها من جامعة عفت في عام 2017 تخصص الهندسة الكهربائية والحاسب الآلي. وحول تجربتها تقول:" بالنسبة لي فإن العمل في سديم هو تجربة رائعة تتيح للفرد أن يكتشف نفسه ويتعرف على المسار الذي يرغب في اتباعه في المستقبل. هنا تجد الفرصة للتعلم واتخاذ الكثير من القرارات بشكل مستقل. لقد شاركت فعلاً في تطوير نسخة جديدة من جهاز الاستشعار إكوا، وقمت بتصميم وإضافة بعض المميزات الجديدة له. كانت هذه لحظة رائعة بالنسبة لي".

وتضيف لبنى الحاج سالم، محللة أعمال في سديم وخريجة العلوم المالية والمصرفية من جامعة دار الحكمة في عام 2018: " الموظف في الشركات الناشئة ينمو ويتطور مع تطور الشركة ، فمن السهل هنا أن تتقدم في حياتك المهنية مقارنةً مع العمل في الشركات والمنظمات الأكبر، كما أنك عندما تعمل في سديم فإنك في نفس الوقت تساهم بصورة غير مباشرة في إنقاذ الأرواح والبيئة".

ويقول أحمد الهادي، وهو من أوائل الموظفين في الشركة: "جميعنا يساهم في نمو سديم لتصبح شركة أكبر وأفضل لأن ذلك يجعلنا أيضاً موظفين أفضل".

وتوضح علياء الجابري، مطورة برامج في سديم، وخريجة علوم حاسب آلي من جامعة عفت في عام 2017، أهمية تنوع الجنسيات في الشركات الناشئة حيث تقول:" يمكنك أن تتعلم الكثير من خلال التعامل مع موظفين وموظفات من جنسيات مختلفة. حيث نكن لبعضنا كل الاحترام والتقدير، وهذا يساعد أيضاً في تحسين مهارات التواصل بيننا".

وأضاف مارلون دياز، اختصاصي أجهزة سديم وخريج درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من كاوست عام 2012، "تمتلك سديم بيئة عمل جميلة، جميعنا يشعر أنه فرد من عائلة صغيرة. عندما تبدأ بتطوير شيء جديد، فإنك تشعر حقًا بتأثير ما تفعله، وهذا أيضًا يؤثر بشكل إيجابي على الشركة وزملائك في العمل".

وحول تجربته كأحد افراد الفريق الذي نفذ مشروع سديم في المدينة المنورة،  يقول دياز "كنت سعيداً جداً بمشاركتي في أحد مشاريع سديم الرائدة في المدينة المنورة والتي هي من المدن المهمة في المملكة وللمسلمين جميعاً.  بجهودنا سنتمكن من أن نجعل سديم أفضل وأكثر تأثيراً في المملكة وعاملاً مساهماً في تحقيق رؤية 2030".

(من اليمين إلى اليسار): مؤسسو سديم الدكتور إستيبان كانيبا والدكتور مصطفى موسى والدكتور أحمد دحوة يستعرضون تقنية أجهزة الاستشعار إكوا (Equa) وأورا (Aura) الخاصة بالشركة. الصورة بعدسة خلود معاذ.

حلول جديدة للمستقبل

يواصل فريق سديم التركيز على دراسة الطبيعة الفريدة والبنية التحتية لكل مدينة يعملون فيها.  , ولقد شبه الدكتور كانيبا المدن بالكائنات الحية، حيث أن لكل منها مشاكله المختلفة. ويرى كانيبا بانهم ومع تقدمهم في العمل  سيبدأون في تطوير مجموعة من الحلول الجديدة بطرق مختلفة مع نفس المستوى من المرونة ودون إحداث أي تغييرات جذرية في البنية التحتية للمدينة.

وحول الانطلاق نحو العالمية، يضيف الدكتور مصطفى موسى: "لقد حولنا مشروعاً بحثياً من مختبرات كاوست إلى شركة سعودية ناشئة تقدم الخدمات إلى الكيانات والقطاعات الحكومية في جميع أنحاء العالم، وتضع حلولاً مجدية لتحديات التخطيط الحضري الرئيسية. نريد الحفاظ على نمو عائلة "سديم" ورفع اسم الشركة عالياً، ليس فقط محليًا بل في جميع الشرق الأوسط والعالم ".