تُعد إعادة استخدام النفايات كموارد قيمة خطوة رئيسية نحو بناء اقتصاد دائري مستدام. وفي هذا السياق، يدرس الباحثون في مركز أبحاث الاحتراق النظيف في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) فكرة استلهموها من الذباب تعتمد على استخدام أحد المكونات الرئيسية للنفايات العضوية والصناعية. 

تعتبر النفايات العضوية مثل بقايا الطعام وجبة مثالية للذباب. على سبيل المثال، تلتهم يرقات ذباب الجندي الأسود (BSF) المواد العضوية لتكوين مخازن البروتينات والدهون والكيتين التي تحتاجها للتحول إلى ذباب بالغ. وفي هذه العملية، تتحول كل من اليرقات والنفايات في آن معاً. 

يقول ريبهو غوتام، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبرات البروفيسور ماني ساراثي في كاوست الذي يقود هذا المشروع "على مدار فترة 12 يومًا بعد الفقس، تنمو يرقات ذباب الجندي الأسود إلى حوالي 10000% من وزنها الأصلي حيث تقوم باستقلاب العناصر الغذائية في النفايات العضوية". وأضاف "في الوقت ذاته، فإنها تقلل حجم النفايات إلى حد بعيد".  

تعتبر اليرقات السمينة الناتجة والنفايات المتبقية منتجات ذات قيمة كبيرة، حيث تُستخدم الأولى كعلف حيواني غني بالبروتين والثانية كسماد عضوي عالي الجودة. يقول طالب الدكتوراه باقر الجمعان " هذه العملية سريعة، وتولد انبعاثات كربونية أقل بكثير مقارنة بأي تقنية موجودة لمعالجة هذه النفايات، بما في ذلك الحرق والهضم اللاهوائي وطمر النفايات". الجمعان هو طالب في مجموعة ساراثي، وهو أيضًا الرئيس التنفيذي لشركة حلول إدارة النفايات العضوية (OWMS)، وهي شركة ناشئة أطلقها الفريق لتوسيع نطاق مشروعهم القائمة على ذباب الجندي الأسود وتسويقه تجاريًا. 

ويعترف غوتام بأن مشروعًا يعتمد على يرقات الذباب كهذا قد يبدو غير مناسب لمجموعة بحثية تركز بشكل رئيسي على احتراق الوقود وكيمياء التحلل الحراري. ويوضح ساراثي "بدأ فريقنا في استكشاف يرقات ذباب الجندي الأسود في عام 2017، عندما تقدمت إلينا إحدى الشركات الرائدة في مجال ذباب الجندي الأسود ومقرها في جنوب أفريقيا، بطلب تطوير تقنية لتحسين قيمة الدهون المستخرجة من يرقات الذباب قبل إطعامها للأسماك والدواجن. واستطعنا تطوير تقنيات خاصة لتحويل دهون يرقات الذباب إلى وقود وزيوت تشحيم". 

عاد الفريق إلى معالجة النفايات باستخدام يرقات ذباب الجندي الأسود بعد أن تواصلت معهم شركة التنمية للأغذية في عام 2020 لتطوير حلّ للمخلفات العضوية لمزارع الدواجن، حيث يُعتبر البروفيسور ساراثي خبيرًا رائدًا في عملية تسمى التحلل الحراري، والتي يمكن من خلالها تحويل النفايات العضوية إلى وقود حيوي قيّم ومنتجات أخرى عن طريق تسخينها في ظل ظروف خالية من الأكسجين. ومع ذلك، اصطدموا بعقبة كبيرة وهي أن روث الدجاج ليس مناسبًا على نحو مباشر للتحلل الحراري؛ بسبب محتواه العالي من النيتروجين والدهون. 

يقول ساراثي "قررنا استخدام يرقات ذباب الجندي الأسود للتخلص أولاً من النيتروجين والدهون الموجودين في الروث، ثم تحليل النفايات المتبقية حراريًا لإنتاج فحم حيوي عالي القيمة". كما يمكن فصل اليرقات التي تنمو على مخلفات مزارع الدواجن ومعالجتها لاستخراج مواد كيماوية عالية القيمة منها. 

استعان الفريق الآن بشريك جديد، وهو دانيال إينيبيلي من شركة بروتين كابيتال (Protein Kapital) الناشئة المتخصصة في تربية يرقات ذباب الجندي الأسود، لتطبيق عملية مبتكرة لإنتاج وتربية يرقات ذباب الجندي الأسود. يقول الجمعان "نحن نطبق معًا طريقة حاصلة على براءة اختراع لإنتاج آلاف البيض لكل ذبابة، عوضا عن 50 بيضة أو نحو ذلك التي تُنتج عادة". وبناءً على هذه الزيادة، يسعى الفريق الآن إلى تطبيق تقنية ذباب الجندي الأسود على نطاق أوسع على أنواع أخرى من النفايات العضوية. 

يقول ساراثي "هذه الابتكارات مكنتنا من نشر حلنا على نطاق أوسع لأنواع مختلفة من النفايات العضوية في المملكة العربية السعودية". يذكر أن فريق شركة حلول إدارة النفايات العضوية يعمل على تطوير عملية إدارة نفايات باستخدام ذباب الجندي الأسود تعتمد على وحدات يمكن إنشاؤها في الموقع الذي يتم فيه إنتاج النفايات للمساعدة على إدارتها والتقليل من تكلفة نقلها. 

استطاعت وحدة العرض التوضيحية صغيرة الحجم التي طورها الفريق معالجة عدة أطنان من النفايات بهذه الطريقة. يقول غوتام "نعمل الآن على توسيع نطاقنا للتعامل مع ثلاثة أطنان من نفايات الطعام يوميًا". ويجري الفريق بالفعل محادثات مع العديد من الشركات المهتمة بتبني هذه التقنية. 

بالنسبة للبروفيسور ماني ساراثي، فإن استكشاف الحلول البيولوجية لإدارة النفايات العضوية جلب معه مجموعة جديدة من التحديات، مقارنة بالنهج الكيميائي الشائع في مشاريع مركز أبحاث الاحتراق النظيف، يقول "وجدنا أن يرقات ذباب الجندي الأسود مخلوقات رائعة، ونحن نركز على بناء بيئة صحية لها كي تلتهم النفايات وتحولها لمنتجات ذات قيمة ".