Top

من ديكارت إلى موران


-بقلم سونيا, من أخبار جامعة الملك عبدالله

قدم دومينيك سياما، المدير العام والعضو المنتدب في مدرسة إستراتي للتصميم في فرنسا منذ عام 2013، قدم كلمة رئيسية بعنوان: "التصميم هو الخيار الوحيد" ضمن فعاليات برنامج الإثراء في الخريف 2017 في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. ويحمل سياما درجة الماجستير في كل من علوم الحاسب الآلي والرياضيات. وقبل أن يبدأ العمل في المدرسة، عمل سياما كمصمم برمجيات يبتكر نظام إدارة محتوى Rexpublisher وأداة الذكاء الصناعي XILOG.

العالم القديم مقابل الجديد

يعتقد سياما أنّ العالم من دون تصميم سيكون في خطر. فقد كان العالم القديم يقوم على طريقة التفكير الديكارتية: تفتيت القضايا الكبيرة وتجزئتها إلى مسائل أصغر. هذا العالم المادي يعمل في بيئات خطية مغلقة مقيّدة محلية للغاية وهرمية تقودها الدولة. ولعلّ مصانع التجميع الخطي النموذجية، التي شاعت خلال الثورة الصناعية، هي التجسيد لهذا العالم القديم.




أما العالم الجديد فهو رقمي غير مقيّد ومفتوح ومحلي وعالمي في نفس الوقت، وتقوده شبكات من أشخاص يفكّرون نقدياً بمشاكل كبيرة ومعقدة. وحث سياما الجمهور على التخلّي عن ديكارت وفتح عقولهم لطريقة جديدة في التفكير يتصورها الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران.

تحثّنا فلسفة موران على النظر إلى العالم بكل تعقيده. ففي خط التجميع، على سبيل المثال، كان العمال يركّزون على تكرار مهمة واحدة مراراً وتكراراً، من دون اعتبار كبير للمنتج النهائي. أما في العالم الجديد، فالمشاكل المعقدة تقتضي التعاون والإحساس بالمسؤولية حيال النظام أو المشروع أو القضيّة ككل. وهنا يأتي دور المصممين في تسهيل هذا التعاون من خلال بناء لغة مشتركة تستخدم نهجاً متعدد التخصصات.

دومينيك سياما، المدير العام والعضو المنتدب في مدرسة إستراتي للتصميم في فرنسا، يقدّم عرضه على المنصة خلال برنامج الإثراء في الخريف 2017.

 ​
ووفقاً لدومينيك سياما فإنّ: "التصميم ليس مسألة كراسي أو سيارات أو تعبئة وتغليف أو محلات. التصميم مسألة حياة. المصممون إنسانيون يجعلون العالم بسيطاً ولطيفاً وجميلاً. هذا هو جوهر التصميم". فالمصممون لا يجيبون على الأسئلة أو المذكرات فقط، بل هم على حد تعبيره "يفتّتون السؤال/ القضيّة، ويعيدون صياغته، ومن ثم يجيبون عليه، لأن السؤال قد لا يكون في حدّ ذاته سؤالاً جيداً. على المرء أن يتحدى السؤال/ القضيّة!".

ويؤكّد سياما على أن المعنى الحقيقي لكلمة تصميم يشرح كيف أنّه أكثر من مجرد إضافة الجمال إلى نهاية سير العمليات، بل هو "التفكير أو الإنتاج من أجل التحرك في اتجاه معين". فلكي يكون المرء مصمماً عليه أن يناقش، وأن يمثل، وأن يصنع، وأن يضع الحلول، وأن يوظف نهجاً إبداعياً عابراً للتخصصات في جميع أنحاء القضية.



ولاحظ سياما: "إنّه مسألة تجربة إنسانية". وقد استفادت الشركات من قوة التصميم عبر توطيد العلاقات مع عملائها من خلال التصميم ودمجه في هيكل المؤسسات وعملياتها. إن توظيف منهجيّة التصميم الإنساني في التجارة يعني أن العملاء يعاملون كصناع قرار يقنعون بأن يكونوا مخلصين للعلامة التجارية من خلال الثقة وبناء العلاقات.

وتعدّ شركة آبل مثالاً شهيراً عن نجاح تطبيق استراتيجية التصميم أولاً ضمن كل عنصر من عناصر العلامة التجارية. ويعتقد سياما أن على الشركات أن تستثمر التصميم. نقلاً عن فيليب بيكو، مدير التصميم في كارفور، الذي تحدّث عن دورة تطوير المنتجات، فإنّ التصميم يشكل 1% من الاستثمار، ولكن يقدّم 40% من القيمة.

يتعيّن على الشركات، من الناحية المثالية، أن تضع التصميم في صميم ما تفعله، بما في ذلك تخصيص مقعد في مجلس إدارتها لمصمم. فالعمل مع المصممين يخلق "حقل قوة تصميم" يعمل كما أوضح سياما "كحقل مغناطيسي يستخرج من الجميع طاقة تفكير تصميمي".

وللمصممين دور مهم، أثناء العمل في المشاريع، فهم همزة الوصل التي تساعد جميع المعنيين على "التحدث مع بعضهم البعض من خلال لغة التصميم العادية والطبيعية" على حدّ تعبيره. ومن العلامات والمبادرات التجارية الأخرى التي يمكن إيرادها كأمثلة ناجحة في فعل ذلك، ذكر سياما كلاً من نسبرسو، وAirbnb، ومدينة سنغافورة.

واختتم سياما محاضرته مع "بيان التصميم" الذي يتبنّاه، ذاكراً أنّ: "التصميم هو أكثر من مجرد مهنة، وأكثر من مجرّد نظام وانضباط. فالتصميم هو حقل قوى تحويلية، تجسده باقة متطلبة من المهنيين والقراء وطرائق التفكير التي تنتج خبرات مركّبة توفر الجمال في حياة الإنسان". حين يتحدث سياما عن المستقبل، فإنه يؤمن أن "مدارس التصميم ستختفي يوماً، لأن التصميم يغزو كل شيء، وسنكون جميعاً مصممين".