Top

الأسماك المختبئة في المحيطات "نطاق الشفق"

قد يكون هناك العديد من الأسماك في محيطات العالم أكثر مما كنا نتوقع.

قام فريق من الباحثين الدوليين بقيادة الدكتور اكزابيير ايريغوين ، مدير مركز أبحاث البحر الأحمر في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، باستخدام البيانات المستنبطة من القراءات الصوتية خلال رحلته البحرية حول العالم لإعادة النظر في التقديرات القديمة لعدد الأسماك التي تعيش تحت عمق يتراوح بين 200 و1000 م، في منطقة تعرف بالبحار متوسطة العمق.

وأشارت هذه النتائج إلى أن التقديرات الحالية لكميات الأسماك التي تعيش في منطقة البحار متوسطة العمق مختلفة جداً، وأن النظم البيئية للمحيطات المفتوحة فعالة مثل المناطق الساحلية من ناحية تدوير ونقل المغذيات في السلسلة الغذائية. ومكنت هذه الاستنتاجات من إضافة دور جديد لأسماك البحار متوسطة العمق في دورة الكربون في العالم.

يطلق على منطقة البحار متوسطة العمق اسم "نطاق الشفق"، لأنها ترمز الى الانتقال من المياه السطحية المضاءة بنور الشمس إلى أعماق البحر السحيقة حيث لا تصل أشعة الشمس وبالتالي لا يمكن للنباتات في القاع القيام بعملية التمثيل الضوئي. وعلى الرغم من عتامة مياهها، إلا أن النتائج أثبت أن منطقة البحار متوسطة العمق تحوي العديد من الكائنات الحية.

الأسماك المختبئة قد تكون سبب تضارب البيانات

يقول الدكتور إيريجوين "تشير التقديرات الحالية الموجودة إلى أن هناك حوالي 1000 مليون طن من الأسماك في منطقة البحار متوسطة العمق"، وهذا العدد يقارب من نصف مجموع كتلة الأسماك في محيطات العالم حسب ما كان يعتقد سابقاً. وأضاف "لكن هذه التقديرات مبنية على بيانات الصيد بالشباك فقط". وأظهرت دراسة نشرت مؤخراً في ورقة بحثية بواسطة الدكتور شتاين كارتفيدت، أستاذ علوم البحار في جامعة الملك عبدالله وأحد زملاء الدكتور إيريجوين ، أن الأسماك التي تعيش في البحار متوسطة العمق بارعة في الهروب من شباك الصيد، وهذا بالتالي يؤثر كثيراً على دقة بيانات الصيد بالشباك التي تستخدم لتحديد أعداد الأسماك.

ودعمت النتائج التي توصل إليها الفريق هذه الفكرة، حيث قاموا بجمع بيانات من أعماق محيطات العالم المختلفة في فترة تسعة أشهر باستخدام تقنية تحديد الموقع بالصدى.

يقول الدكتور إيريجوين "تقترح القراءات التي تحصلنا عليها أن كتلة أسماك البحار متوسطة العمق على كوكب الأرض قد تتجاوز ما كنا نعتقد سابقاً بعشرة أضعاف".

الطاقة والغذاء- مدى فاعلية المحيطات المفتوحة

الاعتقاد السائد في مجال علوم البحار هو أن النظم البيئية في المحيطات المفتوحة والعميقة هي أقل فاعلية من المناطق الساحلية من ناحية انتقال المواد الغذائية والطاقة التي تنتجها الكائنات البحرية سواءً الأولية منها كالعوالق النباتية أو الكائنات البحرية المفترسة. ولكن النتائج التي توصل اليها الفريق عن طريق معالجة البيانات الصوتية بواسطة الكمبيوتر أثبتت عكس ذلك. ويوضح الدكتور إيريجوين ذلك "المحيطات المفتوحة مثل البحار الساحلية أو قد تزيد عنها من حيث كفاءة سلسلتها الغذائية".

اكتشاف دورات الكربون في الأعماق

تعد المياه متوسطة العمق موطنا لنوع من الأسماك الشفافة تسمى Cyclothone، التي يبلغ طولها بصورة عامة مجرد بضعة سنتيمترات. ورغم صغرها إلا أن عددها كبير جداً. حتى أن التقديرات المبدئية تؤكد أن الكتلة الحيوية لأسماك Cyclothone في منطقة البحار متوسطة العمق تجعلها أكثر الفقاريات عدداً على الأرض.

كوحوش الأعماق الصغيرة، تصعد مجموعات من أسماك البحار متوسطة العمق كل ليلة لتصطاد العوالق الحيوانية الطافية على أسطح المحيطات المفتوحة. ثم تعود إلى الأعماق خلال الفجر وبطونها ممتلئة بالمواد العضوية – خصوصاً الكربون ــ تحت عمق 500 متر أو أكثر. ويقول الدكتور إيريجوين "هذه الهجرة تساهم في سرعة ضخ ثاني أكسيد الكربون". وبالنظر لتقديرات الكتلة الحيوية في البحار متوسطة العمق السابق ذكرها يتبين أن هذه الهجرة تساهم بشكل كبير في الدورات البيولوجية الكيميائية في العالم وهي مسألة تحتاج إلى المزيد من الدراسة. ويوضح إيريجوين ذلك "مع التقديرات الجديدة يتبين لنا أن أسماك البحار متوسطة العمق تساهم بمعدل 1 الى 10% من الناتج الأولي لدورة الكربون على السطح".

ولسوء الحظ، فإن وفرة هذه الأسماك لا تعني بالضرورة وفرتها كمصدر غذائي للإنسان. فهذه الأسماك في عمومها كائنات صغيرة ودهنية، وتعيش في أعماق سحيقة جداً ومتناثرة عبر محيطات العالم ولا تجذب أي اهتمام تجاري. ومع ذلك، تعتبر جزءاً مهماً من النظام الغذائي لسمك التونة الذي نتناوله.

ونشرت النتائج التي توصل إليها الفريق في مجلة Nature Communications بتاريخ 7 فبراير 2014 "Large Mesopelagic Fishes Biomass and Trophic Efficiency in the Open Ocean".