العودة إلى المملكة

في مايو 2017، جلس والدي إيزابيل "مانفريد ودوريس" على طاولة المطبخ في ميربوش لتخطيط رحلتهما السياحية المقبلة، والتي كانت هذه المرة لزيارة ابنتهم في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وما قد يبدو رحلة شاقة بالنسبة لأناس في نصف عمرهما، هو مجرّد مشوار اعتيادي بالنسبة للزوجين المغامرين، اللذين سافرا بالفعل خلال خمسين عاماً من الزواج عبر 90 بلداً؛ قادا سيارتهما عبر طريق الحرير من ألمانيا إلى الصين، وعبر الأميركتين؛ وارتحلا عبر آسيا طولاً وعرضاً، وقاما برحلات منتظمة في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.

يقول مانفريد: "منذ التقينا أوّل مرة، كنّا أنا وزوجتي خارج البلاد دائماً، اعتدنا على الطريق والترحال منذ سن مبكرة".

استقلا في رحلتهما الأخيرة إلى جامعة الملك عبدالله سيارة تويوتا لاند كروزر تبلغ من العمر 12 عاماً، فقطعا أكثر من 9 آلاف كيلومتر عبر البلدان والقارات والسهول والتلال والبحار والصحاري. وتولّت دوريس القيادة وتولّى مانفريد الملاحة، كما كان الحال دائماً منذ التقيا أول مرة في سويسرا منذ 50 عاماً.

مانفريد شولتز، والد إيزابيل شولتز، باحثة ما بعد الدكتوراة في مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة الملك عبدالله، يقف عند مدخل الجامعة بعد أن أكمل هو وزوجته رحلة لأكثر من 9000 كيلومتر من ألمانيا إلى الجامعة بالسيارة.

انقسمت رحلتهما تقريباً إلى مرحلتين، مضت بهما المرحلة الأولى من ميربوش إلى باساو، وهي مدينة ألمانية تقع على الحدود النمساوية؛ دخولاً إلى شرق كرواتيا عبر سلافونسكي برود؛ ومن ثم عبر نيش، ثالث أكبر مدينة في صربيا، قبل مواصلة المسير صوب جنوب تركيا. اجتازا تركيا في غضون أربعة أيام من أدرنة في المنطقة الشمالية الغربية للبلاد صوب دوغوبيازيد في المنطقة الشرقية.

فيما مضت بهما المرحلة الثانية عبر الشرق الأوسط إلى دبي، ثم عبر الإمارات العربية المتحدة إلى العاصمة السعودية الرياض. وفي الرياض، أعطى الزوجان سيارتهما فترة راحة قصيرة قبل أن يتجها ليعبرا مساحة واسعة من شبه الجزيرة العربية عرضاً للوصول إلى جامعة الملك عبدالله في 11 أبريل، أي بعد 21 يوماً فقط من مغادرة منزلهما في ألمانيا. حيث قادا لمسافة 963 كيلومتراً، من الرياض إلى جدة، في يوم واحد!

رحلة ملهمة

في إطار التحضير لرحلة والديها، طلبت إيزابيل شولتز من فريق الشؤون الحكومية بجامعة الملك عبدالله أن يكتب خطاباً باللغة العربية، يحدد مسار الرحلة تحسّباً لأية مشاكل قد تحدث على الطريق. ومع ذلك، فهم لم يواجهوا أي مشاكل، فقد صادفوا فقط أناساً طيبين ومتعاونين وبشوشين.

يقول مانفريد: "عبرنا أوروبا مروراً بالنمسا وصربيا وكرواتيا وتركيا، ثم فجأة أصبحنا في منطقة الخليج وعبرنا الحدود إلى السعودية". ويضيف: "كنا شبه الوحيدين الذين يعبرون الحدود، باستثناء بعض السعوديين الذين يعبرون بسياراتهم. كانت هناك مساحة كبيرة لاستقبال الزوار، فضلاً عن منطقة مخصصة للحجاج، لكننا كنا الوحيدين فيها. شيء مذهل".

The Schulz family parked their Toyota Land Cruiser in KAUST after arriving there from their car long journey from Germany. Photo courtesy of Isabelle Schulz.

ولتلافي أي سوء تفاهم محتمل مع رجال الحدود السعوديين، احتفظ مانفريد في جيب قميصه برخصة القيادة السعودية التي تعود إلى أكثر من 30 سنة. يقول: "عرضت عليهم رخصتي القديمة فضحكوا. كانوا مسرورين جداً بها وكانوا سعداء جداً بأن تمكنوا من فهم اسمي باللغة العربية. فقدموا لنا على الفور الشاي والقهوة والتمر. كرم الضيافة كان مدهشاً، وهذا لم يتغير منذ زمن وجودنا في هذه البلاد".

وعند سؤالهما عن رحلتهما إلى جامعة الملك عبدالله، وما إذا كانت مهمة شاقة، هزّ دوريس ومانفريد أكتافهما دون مبالاة. كانت الرحلة-رغم كونها فريدة -مجرد إضافة أخرى إلى مجموعتهما ولم تكن شاقة أبداً.

كلمات فراق

لدى والدي إيزابيل 60 يوماً إضافياً في رحلتهما التي تستغرق 110 أيام. من جامعة الملك عبدالله، يخططان للقيام بجولة في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان قبل أن يعودا إلى ميربوش. تركا جامعة الملك عبدالله بعد أن أثارت إعجابهما، تماماً كأوّل مرة زاراها في العام 2015.

تقول دوريس: "جامعة الملك عبدالله فريدة من نوعها. فقد تأسست من الصفر، من مجرّد رؤية. وأعتقد أن لها دوراً مهماً في عالم العلوم". وتضيف: "ونحن بالطبع، مع إيزابيل، فخورون جداً بوجودها هنا منذ ما يقرب من أربع سنوات".

Isabelle Schulz is a postdoctoral fellow in the University’s Red Sea Research Center (RSRC). Photo by Lilit Hovhannisyan.

يقول مانفريد: "التطوّر في المملكة هائل". وأضاف: "لكنّك إذا نظرت إلى مدن مثل الرياض وجدة ومنطقة الدمام، تجد أن الناس لم يتغيروا كثيراً. لقد حافظوا على سجيّتهم، ولم يفقدوا شخصيتهم".

تعتقد إيزابيل أن الوقت الذي أمضته في جامعة الملك عبدالله جعلها ذات شخصية أقوى وأكثر قدرة على التكيف والاستقلالية. وبوصفها عالمة أحياء بحرية، كان البحر الأحمر، بوصفه مختبراً طبيعياً لا مثيل له، إلى جانب مختبرات البحوث المتطورة، من الأسباب الرئيسية لالتحاقها في جامعة الملك عبدالله. وحيال المستقبل، ترى إيزابيل أن دورها يتقدم أكثر نحو إدارة العلوم ودعم نظرائها الأكاديميين.

وأكدت: "مثّلت لي الجامعة تجربة فريدة خارج بلدي، إذ تعلمت كيفية التعامل مع الكثير من السيناريوهات المختلفة. إنّ التعامل مع مجموعة من المهام جعلني شخصاً أقوى وأكثر مرونة بآن معاً".

إيزابيل شولتز (في الوسط) ووالدها مانفريد وأمها دوريس، يقفون معاً في جامعة الملك عبدالله بجانب سيارة لاند كروزر العائلية المتينة. سافرت دوريس ومانفريد أكثر من 9000 كيلومتر بالسيارة من مسقط رأسهما في ألمانيا لزيارة إيزابيل في جامعة الملك عبدالله.

كما أن إيزابيل تشعر أن وجودها في المملكة العربية السعودية كان بمثابة طريقتها في مواصلة تقاليد عائلتها. قالت: "أمضي في الحلقة ذاتها، وأكرر الحكاية، أعود إلى جذورنا، إلى المملكة العربية السعودية".