التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
صورة فوهة بركان الوعبة - جونيا شولتز، جامعة كاوست: قد تحتوي البيئات القاسية في المملكة العربية السعودية، مثل فوهة بركان الوعبة - مقلع طمية الموضحة أعلاه، على كائنات حية قاسية مفيدة. تصوير الدكتورة جونيا شولتز /٢٠٢٢، جامعة كاوست.
في يوم 30 من شهر يناير عام 2007 جنحت السفينة السياحية النرويجية «إم إس نوردكاب» التي كانت تقل 370 شخصًا، لفترة وجيزة بالقرب من جزيرة ديسبشن التي تقع في أرخبيل جزر شتلاند الجنوبية في الطرف الشمالي لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا).
جونيا شولتز، صورة حرة خيبر
في ذلك اليوم، نتج عن تلك الحادثة تسرب لزيت الديزل في السفينة بما يقدر بين 130 إلى 200 جالون شمل أكثر من 5 كيلومترات من الساحل. حينها صرح المعهد القطبي النرويجي بانه من غير المعروف ما إذا كان التسرب سيكون له أي تأثير على البيئة الهشة.
بعدها، وفي يوم 4 فبراير 2007، أفادت محطة الأبحاث الإسبانية بأن اختبارات الماء والرمل كانت نظيفة ولم يجدوا فيها علامات للتلوث بالنفط.
وفي يوم 17 فبراير 2007 صرحت شركة NVC وشركتها الأم، مجموعة Hurtigruten إنه بعد إجراء تحقيق مكثف وتحليل للمنطقة من قبل العديد من السلطات، اختفت جميع آثار التصريف المحدود لزيت الغاز البحري من السفينة الجانحة بحلول 3 فبراير. وأضافت الشركة بان هذا يتوافق مع حقيقة أن زيت الغاز البحري يتبخر بسهولة ويتحلل بسرعة، مما يساعد على تقليل أي تأثير قد يحدثه التسرب على البيئة. تجدر الإشارة الى ان جزيرة ديسبشن التي يبلغ قطرها نحو 12 كيلومتر تعد موطناً لحياة برية غنية، وكانت عِبارةً عن بركان نشط. ويشير بعض العلماء الى ان الجزيرة اكتسبت شكلها عقب انفجار عظيم حدث قبل 4 آلاف سنة.
بعد حادثة السفينة أصبحت الجزيرة مسرحا نشطا يعج بالعلماء من جميع العالم لدراسة مناخ وبيئة القارة المتجمّدة الجنوبية. وأخيرا ظهر بحث علمي جديد بقيادة علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أظهر من خلال إجراء تحليل شامل للمجتمعات البكتيرية القاطنة بجزيرة ديسبشن، إمكانية استخدام البكتيريا المتطرفة التي تكيّفت على الحياة في درجات حرارة مرتفعة تفوق ال60 درجة مئوية، ومنها البكتيريا المحبة للحرارة، في إزالة التلوث النفطي.
صورة السلالات البكتيرية، جونيا شولتز، جامعة كاوست: قام فريق من العلماء في جامعة كاوست بتخليق وإجراء تحليل جيني على السلالات البكتيرية التي تم جمعها من موقعين للطاقة الحرارية الأرضية. تصوير الدكتورة جونيا شولتز/ 2022، جامعة كاوست.
وقصة هذا البحث بدأت مع انضمام الدكتورة جونيا شولتز إلى «كاوست» كباحثة ما بعد الدكتوراة مع البروفيسور ألكسندر روسادو، أستاذ علوم الاحياء. ففي بداية عملها بالجامعة ركزت أنظارها على توصيف الميكروبيوم؛ البكتيريا النافعة التي تنمو في البيئات الأرضية القاسية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك البراكين والصحاري والبيئات الحرارية الأرضية. هذه الكائنات الحية القاسية، وهو ما يعني أنها تنمو في أكثر البيئات قسوة في العالم، بما في ذلك تلك التي تحب الحرارة (أَليفُ الحَرارَة)، لديها إمكانات هائلة لعدد لا يحصى من تطبيقات التقنية الحيوية.
تقول شولتز: "الكائنات الحية القاسية تنمو في ظل العديد من الظروف القاسية، وهي بالفعل تكيفت عبر الزمان مع البيئة المحيطة لها لتظل نشطة في التمثيل الغذائي في الظروف الصعبة". وأضافت: "إن هذه الكائنات الحية القاسية تظهر قدرات تكيفية وفسيولوجية متنوعة وغالبًا ما تفرز منتجات حيوية قيمة."
هذه المنتجات الحيوية تشمل الإنزيمات والمركبات النشطة بيولوجيًا التي يمكن توظيفها في صناعات مثل الزراعة والصيدلة وحتى استكشاف الفضاء. ويمكن أن توفر هذه الكائنات الحية القاسية أيضًا طريقة آمنة وفعالة لتنظيف التلوث النفطي.
وحول استخدام تلك البكتيريا في عمليات تنظيف التلوث النفطي، توضح شولتز: "لا شك أن بعض أنواع البكتيريا تمتص البترول كمصدر للكربون والغذاء والطاقة وللقيام بذلك، يقومون أولاً بإفراز المواد الخافضة للتوتر السطحي – وهي مواد وظيفتها العمل على تكسير التوتر السطحي للنفط - قبل امتصاص البترول المستحلب في خلاياهم، حيث يتحلل بفضل النشاط الأنزيمي."
منذ فترة دراستها لنيل درجة الدكتوراة، كان يغمر شولتز الفضول لمعرفة ما إذا كانت هذه البكتيريا موجودة في بركان جزيرة ديسبشن أم لا. حيث أنه من المؤسف أن هذه القارة التي كانت في السابق نقية أصبحت الآن معرضة للتلوث، بما في ذلك التلوث النفطي، ويأمل العلماء في العثور على مصادر للمجتمعات البكتيرية المحلية مع إمكانية المساعدة في إزالة التلوث.
في تحقيق ذلك الهدف، قامت شولتز وزملاؤها بعزل 126 سلالة بكتيرية من العينات التي تم جمعها في موقعين للطاقة الحرارية الأرضية في الجزيرة.
وتقول في ذلك: " يمكن أن تفرز هذه الكائنات أَليفُة الحَرارَة منتجات حيوية قيمة ومثيرة للاهتمام، ليس فقط لإزالة التلوث النفطي، ولكن للعديد من التطبيقات". ومع ذلك، من الصعب محاكاة البيئات القاسية في المختبر لتخليق هذه السلالات البكتيرية. ذلك بسبب أن الكتلة الحيوية الخلوية للكائنات الدقيقة منخفضة جدًا في البيئات القاسية، مما يجعل استخراج الحمض النووي أمرًا صعبًا وشيقًا".
بعد بذل الكثير من الجهد والمثابرة، تمكن الباحثون من جمع ما يكفي من الحمض النووي عالي الجودة لإجراء التحليل الجيني وتخليق 126 سلالة بكتيرية. كانت السمات الجينومية والإمكانات الأيضية لسبع سلالات من نوع "أنوكسيباسيلوس فلافي ثيرموس" Anoxybacillus flavithermus مثيرة للاهتمام بشكل خاص.
ونجح الفريق العلمي في تحقيق نجاح ملموس فيم يخص تحديد الجينات المتعلقة بتثبيت الجينوم (الخارطة الجينية) في ظل تقلبات درجات الحرارة، وبروتينات الصدمة الحرارية والبرودة، وإصلاح الحمض النووي ضد الأشعة فوق البنفسجية ومقاومة الظروف القلوية. وكذلك الجينات الخاصة بالنشا وتدهور السليلوز.
أثناء قيام الفريق بتحليل جميع السلالات الـ 126 القادرة على إفراز المواد الكاسرة للتوتر السطحي وتحلل النفط، نمت 76 سلالة من بين هذه السلالات بشكل جيد في البيئات المخلقة التي كان النفط الخام هو المصدر الوحيد للكربون، في حين أظهرت ثلاثون سلالة نتائج جيدة بشكل خاص في تحلل النفط؛ كما أفرز 13 من هذه المواد الكاسرة للتوتر السطحي، بما في ذلك سلالة واحدة من مجموعة "ايه فلافي ثرموس" A flavithermus.
يُشكل النفط أحد أكثر الملوثات تعقيدًا على الأرض، وستعتمد كفاءة وفعالية التحلل الميكروبي على عوامل متعددة، بداية من المتغيرات البيئية المحلية مثل درجة الحرارة ودرجة الحموضة، إلى الكسور والكمية والتركيب النفطي الموجود في أي موقع معين.
وتشير شولتز الى ان الفهم الكامل للسلالات البكتيرية المحلية وقدرتها الأيضية يُعد أمرًا بالغ الأهمية لأنه يفيد في تصميم اتجاهات مستقبلية لمعالجة مشكلة التلوث النفطي، ليس فقط في القارة القطبية الجنوبية، ولكن في جميع أنحاء العالم. وتضيف:"أنا متحمسة تجاه الإمكانيات التي توفرها الكائنات الحية القاسية، وأتطلع إلى استكشاف البيئات السعودية القاسية للحصول على منتجات حيوية جديدة تسهم في خدمة أنواع التطبيقات".