أطلق البروفيسور هريبرت هيرت، أستاذ علوم النبات في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، على مجموعته البحثية اسم (داروين21) تكريماً لعالم الطبيعة والأحياء الإنجليزي الشهير تشارلز داروين، ومواصلة لدعم الأبحاث ولاكتشافات العلمية في مجال علم الأحياء والطبيعة في القرن الحادي والعشرين.

تتركز أبحاث مجموعة داروين 21 على "الغلاف الجذوري"، وهو طبقة رقيقة من التربة على تماس مباشر مع جذور النباتات، وتشهد حدوث تأثيرات متبادلة بين النبات ومجموع الأحياء الدقيقة المحيطة بها (غالبًا الفطريات والبكتيريا)، يقول هيرت: " الهدف من تشكيل مجموعة داروين 21 هو إنشاء قاعدة معرفية عالمية حول الغلاف الجذوري في المناطق الصحراوية، إضافة للأحياء الدقيقة داخل النباتات، واستخدام هذه المعرفة لابتكار أنظمة زراعية مستدامة في الأراضي القاحلة".

أظهرت أبحاث مجموعة داروين 21 أن الأحياء الدقيقة في طبقة الغلاف الجذوري لديها القدرة على التحكم بنمو النبات حتى في ظروف الملوحة الشديدة وشح المياه والحرارة المرتفعة، مما يرفع من أهميتها في تعزيز خصوبة التربة.

أمضت مجموعة داروين 21 السنوات الثماني الماضية في تطوير أكبر قاعدة بيانات في العالم للأحياء الدقيقة والميكروبات التي تعيش داخل النباتات. وبعد اختبار هذ الميكروبات النباتية في المختبر وتصنيفها بحسب قدرتها على تعزيز نمو النباتات في ظروف مختلفة من الحرارة والملوحة والري المائي المحدود، أخذ العلماء السلالات الأكثر فاعلية لاختبارها على نطاق أوسع في البيوت المحمية والحقول المفتوحة كنوع من المحفزات الحيوية للتربة.

يقول ماجد سعد، الباحث الرئيسي في داروين 21: " قمنا بجمع هذه الميكروبات النباتية المختلفة واجرينا دراسة مستفيضه لها داخل المختبر، واخترنا أفضل السلالات التي يمكنها تعزيز انتاج المحاصيل ".

أخذ الفريق في الاعتبار عظم مساحة المملكة العربية السعودية واختلاف المناخ بين مناطقها إضافة لاحتوائها على أنواع كثيرة من التربة، فقاموا بتخصيص هذه المحفزات الحيوية بحسب المنطقة والتحقق من صحتها في ظروف الزراعة الصحراوية الفعلية، والعمل مع شبكة من المزارع الشهيرة في جميع أنحاء المملكة، وكانت نتائج البحث واعدة للغاية في عدة محاصيل مختلفة.

يقول سعد: "بعد نجاحنا في هذه المرحلة، احتجنا لتطوير مفهومنا والتحقق من صحة حلولنا الحيوية مع هيئة مصادقة مستقلة، لذلك أخترنا استدامة".

مصادقة استدامة على المحفزات الحيوية

صادق المركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة (استدامة)، ومقره الرياض، على صحة العديد من منتجات داروين 21 الحيوية التي نجحت في زيادة إنتاج الخضروات ورفع جودتها في ظل الظروف المناخية الجافة.

المدير العام التنفيذي لمركز استدامة، د. خالد العساف وماجد سعد، كبير الباحثين في داروين21. المصدر: استدامة.

يقول البروفيسور هيرت: " يستهلك حصاد الخيار باستخدام المحفزات الحيوية التي طورناها فقط ثلثي المياه المستخدمة في عمليات الري التقليدية"، ويضيف: " تؤكد مصادقة استدامة على منتجنا مساهمته في تحقيق هدفين رئيسيين لرؤية 2030 المتمثلين في توفير المياه وتوفير الأمن الغذائي على المدى الطويل للمملكة".

ينظر أعضاء مجموعة داروين 21 في كاوست على مصادقة استدامة لمنتجهم بأنها خطوة مهمة نحو نقل أبحاثهم من المختبر إلى السوق، وهو ما يتواءم مع الأهداف الاستراتيجية التي حددتها استدامة لتنفيذ مهمتها، بما في ذلك تطبيق وتشجيع التقنيات الزراعية المبتكرة، ودعم الزراعة المستدامة وتنميتها والتوسع في تطبيقاتها، وتحقيق تأثير أكبر من خلال التعاون مع الشركاء المحليين والدوليين وتعزيز التواصل وتبادل المعرفة. يقول المدير العام التنفيذي لمركز استدامة، د. خالد العساف: "سيحقق هذا بدوره الأثر الإيجابي المنشود لضمان التنمية الزراعية المستدامة في المملكة وفق أحدث الأساليب العالمية في هذا المجال".

&لا شك أن ظاهرة تغير المناخ تعتبر من أكبر العوامل التي تحد من الإنتاج الزراعي نتيجة تأثيرها على وفرة مصادر المياه اللازمة للري، وهنا يأتي دور المحفزات الحيوية في زيادة خصوبة التربة، وفي هذا السياق يقول عالم الأبحاث في استدامة، د. محمد عويس: "يمكن استخدام المحفزات الحيوية التي طورتها مجموعة داروين 21 كطريقة مستدامة لتعزيز الإنتاج الزراعي التجاري في البيوت المحمية وفي الوقت نفسه زيادة كفاءة استخدام مياه الري".

د. محمد عويس، عالم الأبحاث في استدامة، وماجد سعد، كبير الباحثين في فريق أبحاث داروين 21. المصدر: استدامة.

تحويل الابتكار الى شركة ناشئة

تعمل مجموعة داروين 21 في كاوست حالياً على تحويل أبحاثها المبتكرة في مجال الميكروبات النباتية إلى شركة تجارية من خلال المشاركة في مسرعة الشركات الناشئة "تقّدم".

يقول ماجد سعد، الباحث الرئيسي والمدير التنفيذي المستقبلي لشركة جروبيوم الناشئة: "ستنطلق شركتنا الجديدة (جروبيوم) في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على المحفزات الحيوية في السوق الدولية". وهو الأمر الذي تُأكده استطلاعات السوق التي تفيد أن قيمة سوق المحفزات الحيوية تبلغ اليوم 2,6 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو في المستقبل إلى 4,9 مليار دولار.

وتواصل كاوست تقديم الدعم لفريق أبحاث مجموعة داروين 21 من مختلف اداراتها ومكاتبها كي يكتب لمنتجاتها النجاح، على سبيل المثال، حصل الفريق في مارس 2019 على تمويل صندوق التحدي الكبير بقيمة 1,75 مليون دولار أمريكي من مكتب رئيس الجامعة، ومكتب نائب الرئيس للأبحاث، ومكتب نقل التقنية لبناء مختبر للبحث والتطوير في مجمع الابتكار في كاوست وتأسيس خطوط انتاج تجريبية بمقاييس صغيرة إلى متوسطة، إضافة للمصادقة على مجموعة من المنتجات في أماكن مختلفة.

Cمحصول الخيار في البيوت المحمية التابعة لاستدامة. المصدر: استدامة.br/>

كما تلقت الشركة الناشئة المنبثقة من داروين 21 مبلغ 40 ألف دولار أمريكي لتسريع أعمال الشركة، هذا فضلاً عن مساعدة صندوق الابتكار في كاوست لها في الحصول على براءتي اختراع والثالثة قيد التسجيل.