وكان دور كالي في المشروع يتضمن بناء نماذج ثلاثية الابعاد لخلايا الدماغ بواسطة تقنية التصوير المقطعي التسلسلي، ولأنه أراد أن يستغل فترة تنويمه الطويلة في المستشفى لتعلم شيء مفيد، قرر استخدام الأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي التي أجريت له لعمل تجسيد ثلاثي الأبعاد لأجزاء من جسمه، خصوصاً العمود الفقري، يقول كالي، الذي يعمل الآن أستاذًا مساعدًا في علم التشريح البشري في معهد كافالييري أوتولينغي لعلم الأعصاب التابع لجامعة تورين في ايطاليا: "كانت النماذج ثلاثية الأبعاد لجسدي مذهلةً ودقيقة، وكانت بداية اهتمامي في استخدام مهارات التصوير ثلاثي الأبعاد في مجال الطب".

شركة ناشئة من فريق متعدد التخصصات

انضم د. كالي مرة أخرى إلى فريق أبحاث ماجستريتي بعد تعافيه وعمل ضمن نخبة من العلماء متعددي التخصصات في كاوست، وكانت فكرة استخدام تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد في مجال الطب الجراحي تستحوذ على اهتمامه، فتوجه إلى دانيا بوقس، وهي باحثة سعودية واعدة في فريق أبحاث ماجستريتي ومتخصصة في مجال علوم الحاسب الآلي، تقول دانيا:" سألني كالي عن رغبتي في استخدام مهاراتي في البرمجة الحاسوبية في مجال الطب والجراحة، فقلت له بالطبع لأني وجدتها فكرة جديدة ومثيرة للاهتمام ".

كاوست حاضنة المواهب

حصل كالي وبوقس على دعم وتشجيع البروفيسور ماجستريتي الذي دائماً يشجع طلبته على التعاون والمشاركة في الأبحاث التي يمكن ترجمتها الى ابتكارات حقيقية وتؤدي في النهاية لتأسيس شركات ناشئة.

جدير بالذكر، أن كاوست استثمرت بالفعل في تقنية الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) منذ عام 2013، وتم إنشاء معامل للواقع الافتراضي (VR) تضمنت إصدارات مبكرة لمجموعة من الأجهزة البصرية والنظارات كي يستخدمها طلبة الجامعة في أبحاثهم و تجاربهم، وكان هذا عنصراً حاسماً في دعم وتشكيل فكرة كالي ودانيا.

تقول بوقس: "إحدى الأشياء التي ساهمت في تطوير معرفتي وخبرتي العلمية في مجال البصريات هو أن الجامعة تمتلك بالفعل مرافق ومختبرات تضم تقنيات متطورة جداً في مجال التصوير العلمي يمكن الوصل اليها واستخدامها بصورة يومية وكان ذلك مفيداً جداً بالنسبة لي".

كما حصل كل من كالي وبوقس على دعم صندوق كاوست للابتكار، الذي يوفر التمويل التأسيسي ويساعد في تسجيل حقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى مركز ريادة الأعمال في الجامعة، الذي يعتبر حاضنة لأفكار الطلبة ومشاريعهم من مفهومها الأساسي إلى أن تصبح شركات مزدهرة، تقول دانيا: "عرضنا فكرتنا الأولية على صندوق الابتكار في الجامعة في عام 2014، وأخبرونا أننا نستطيع تسجيل الملكية الفكرية لها، خصوصاً أنها كانت فكرة متميزة جداً ولم يتم تغطيتها بكثرة من قبل الباحثين الأخرين، وهذا ما جعلنا أكثر حماسًا لتحقيقها، هذا بالإضافة لرغبتنا في المساهمة في تحسين حياة البشر وإنقاذ الكثير من الأرواح ".

دانيا بوقس ود. كورادو كالي أعضاء مؤسسين لشركة انترافيدز.

​

تأسيس شركة "انترافيدز" الناشئة

أدرك الفريق في عام 2019 أنهم بحاجة إلى مهارات إضافية لتأسيس شركتهم الناشئة، ووجدوا ضالتهم عندما التقوا ماتيو كافاليري ولوكا دامياني، الذين أصبحا الرئيس التنفيذي والمدير التجاري على التوالي للشركة التي سميت "انترافيدز" (IntraVides)، تقول دانيا:" يمتلك ماتيو ولوكا خبرة رئيسية في قطاع الأعمال والتسويق، وهي خبرة لا نملكها أنا وكورادو، فدوري يتمحور حول تطوير الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية، ويعمل كورادو كعالم وباحث رئيسي في الشركة، وبذلك نشكل جميعاً فريق تعاوني متميز ومتعدد التخصصات والخبرات ".

تم اعتماد المفهوم النهائي لشركة انترافيدز كعمل تجاري في إيطاليا في مارس 2021، بقيادة المؤسسين الأربعة المذكورين آنفاً.

تسريع العمليات الجراحية والتدريب

 يشرح د. كالي أن تقنية شركتهم تساعد الجراحين على إجراء العمليات الجراحية بصور أسرع، يقول:" يقوم جهازنا على سبيل المثال بعمل نموذج ثلاثي الابعاد للعمود الفقري للمريض الذي يحتاج لعملية جراحية، ويستخدم الجراح هذه النماذج والصور بعد الاستعانة ببعض البرامج الأخرى لمعرفة الأماكن التي يجب تثبيت البراغي فيها، وتكون كل هذه المعلومات ظاهر للجراح وتحت تصرفه بحيث يمكنه إجراء العلمية بسرعة وبطريقة أكثر كفاءة مما يقلل وقت تخدير المريض في غرفة العمليات، ويسرع الشفاء بعد ذلك ".

ومن ناحية أخرى، يمكن استخدام تقنية انترافيدز كجهاز تعليمي لتدريب الأطباء والجراحين المبتدئين، يوضح كالي: "يمكنك لجراح محترف مراقبة جراح متدرب يجري عملية لمريض ويقدم له التعليمات وهو يشاهد بالضبط ما يفعله المتدرب كما لو كان هو من يجري العلمية بيديه عبر نظارات الواقع الافتراضي".

ومن المزايا الرئيسية لتقنية انترافيدز التي ظهرت خلال جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) أنه يمكن استخدامها لربط الأطباء والمتخصصين الآخرين بغرفة العمليات للمساعدة في الجراحة، مما يؤدي إلى تقليل عدد الأشخاص في الغرفة، يقول كالي: "لهذا السبب حصلنا على جائزة خلال إحدى مسابقات الشركات الناشئة العام الماضي، وخلال مرحلة الإغلاق الأول في إيطاليا جراء جائحة فيروس كورونا، كنا نستخدم برنامج لعرض الاجتماعات عبر الهاتف على نظارات انترافيدز والتواصل مع مختلف الأخصائيين-عن بعد- للمساعدة والاستشارة الطبية في العمليات الجراحية، بدلاً من التواجد في غرفة العمليات، وقد أثبتت تقنيتنا فاعلية كبيرة خلال هذه الجائحة".

 تجربة تقنية الواقع المعزز أثناء الجائحة

شارك فريق انترافيدز في بعض التجارب الجراحية مع كلية الطب بجامعة تورين الايطالية، وتم نشر ذلك في ورقة بحثية في المجلة الطبية (Frontiers in Surgery)، يقول كالي: "تصف الورقة التجارب التي أجريناها مع الجراحين باستخدام نموذج أولي لنا، وكانت جميع العمليات الجراحية في الأساس عمليات جراحية للعمود الفقري، واستخدم الجراحون أجهزة مختلفة لتقنية الواقع المعزز المدعومة ببرامج مصممة خصيصًا من انترافيدز، وتم نشر استبيان بعد ذلك وكان إيجابياً للغاية حيث أشار الجراحون الى أن تقنية انترافيدز كانت سلسلة في الاستخدام ومريحة للارتداء".

البروفيسور غاربوسا، جراح الأعصاب، وأستاذ جراحة الأعصاب ومدير كلية جراحة الأعصاب في جامعة تورينو، يرتدي نظارات الواقع المعزز في غرفة العمليات.

​

ويعلق د. كوفانو، جراح الأعصاب المقيم في جامعة تورينو، قائلاً: "هذه التقنية سهلة الاستخدام بشكل مدهش وتساعدنا في التخطيط وإجراء الجراحة بسلاسة مطلقة، علاوة على ذلك، يمكن للواقع المعزز أن يلعب دورًا رئيسيًا في التدريس والتواصل الافتراضي عن بعد خلال الاجتماعات والاحداث والفعاليات".

مستقبل انترافيدز والواقع المعزز في التطبيقات الطبية

يطمح فريق انترافيدز في السنوات الخمس المقبلة زيادة تسويق تقنيتهم في جميع أنحاء أوروبا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية، يقول كالي: "نأمل أن نصل إلى العالمية بشكل أساسي خصوصاً في مجال جراحة العمود الفقري لأننا نمتلك الخبرة في ذلك، ولكننا نود أيضًا أن ندخل مجال التدريب، فالتعليم قطاع مهم لنا. "

بالنسبة لكاوست، يظل مركز ريادة الأعمال مفتوحًا للطلبة وداعماً لهم في نقل أفكارهم إلى السوق، ويواصل صندوق كاوست للابتكار الاستثمار في الشركات الناشئة ذات التقنية العميقة والمجدية تجاريًا وتقديم المساعدة الاستراتيجية لها، يقول غاري روبين، رئيس صندوق كاوست للابتكار بالنيابة: " في عام 2020، أنجزنا 18 صفقة استثمارية بقيمة 11 مليون دولار أمريكي، واحتلينا المرتبة الرابعة بين المستثمرين النشطين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب تصنيف منصة ماغنيت (Magnitt) الرائدة".