Top

"كاوست" و"وزارة البيئة والمياه والزراعة" تقودان مستقبل الاستزراع المائي في المملكة

في عالم يواجه تغير المناخ، ونموًا سكانيًا متسارعًا، يبرز الأمن الغذائي كأحد أكثر التحديات العالمية إلحاحًا. ولأن الأمن الغذائي هو أحد الأهداف الرئيسية لرؤية السعودية 2030، أطلقت المملكة العربية السعودية عدة مبادرات ومشاريع طموحة لمعالجة هذه القضية. ومن بين المبادرات الرائدة "برنامج تنمية الاستزراع المائي"، وهو جهد مشترك بين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) ووزارة البيئة والمياه والزراعة، يهدف إلى تطوير الاقتصاد الغذائي في البلاد. 

كجزء من مبادرة الاستزراع المائي في رؤية السعودية 2030، فإن هدف "برنامج تنمية الاستزراع المائي" هو تطوير قطاع الاستزراع المائي في المملكة - وهي ممارسة تنطوي على تربية الكائنات المائية مثل الأسماك والمحار والأعشاب البحرية - ودعم دورها الاقتصادي من خلال زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ويسعى البرنامج إلى تلبية الطلب المحلي على المأكولات البحرية ودعم اقتصاد البلاد من خلال تربية الأحياء المائية ومصايد الأسماك. ومن المتوقع أن تنتج جهود الاستزراع المائي في كاوست 280 ألف طن من المأكولات البحرية، مما يرفع إجمالي الإنتاج المحلي إلى 530 ألف طن سنويًا بحلول عام 2030. وهو ما سيقلل اعتماد المملكة على الأسماك المستوردة، ويساهم في توفير فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات، ومساعدة مجتمعات الصيد المحلية على الاكتفاء الذاتي. والأهم من ذلك، أن البرنامج سيخفف الضغط على مجموعات الأسماك المحلية المهددة حاليًا بالانقراض حول سواحل المملكة؛ بسبب الصيد الجائر والضغوطات البيئية - ومن ثم المساعدة على الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري. 

قامت شركة المنارة للتطوير، وهي شركة استشارات بيئية مقرها كاوست، بالإشراف على البرنامج من خلال تشكيل فريق متعدد التخصصات يضم علماء الأحياء البحرية وخبراء مصايد الأسماك وأخصائيي تغذية الأسماك والمهندسين الفنيين وعلماء الأبحاث وغيرهم من المتخصصين الذين يراقبون ويتحكمون من كثب في كل مرحلة من مراحل دورة إنتاج الأحياء المائية. ويشمل ذلك تربية الأسماك وسلوكها والتغذية وتركيب الأعلاف وإعادة تدوير أنظمة الاستزراع المائي والأقفاص البحرية الخارجية. 

يتبع سير العمل المنظم والصارم ممارسات الاستزراع المائي المستدامة في مفارخ الأسماك والأقفاص. ويشمل ذلك استخدام مواد خام صديقة للبيئة، مثل المنتجات الثانوية للدواجن، والبروتين أحادي الخلية، والطحالب الدقيقة، ودقيق الحشرات، لإنتاج الأعلاف المائية. علاوة على ذلك، يتضمن المشروع تنفيذ الاستزراع المائي المتكامل متعدد العناصر الغذائية (IMTA)، وهو نهج مبتكر يشتمل على تربية أنواع مائية متعددة من مستويات غذائية مختلفة معًا. ويتم خلاله استعادة النفايات من نوع واحد وتحويلها إلى موارد قيمة مثل الأعلاف والأسمدة والطاقة لنوع آخر. ويقلل هذا النهج الذي يعتمد على الاقتصاد الدائري من هدر الطاقة وتدهور البيئة مع تعزيز الاستدامة. 

 

يقول الدكتور أسعد محمد، مدير برنامج تنمية الاستزراع المائي في كاوست "تمثل الأعلاف المائية ما يصل إلى 70% من تكاليف الإنتاج، لذا فإن تحسين نسبة تحويل الأعلاف (FCR) هو هدف أساسي لمزارعي الأسماك". 

ولإنتاج أعلاف مائية فعالة من حيث التكلفة، طور البرنامج أكثر من 30 تركيبة جديدة من أعلاف الأسماك ذات القيمة العالية، مما أدى إلى تحقيق تحسينات كبيرة بنسبة 10-15% في تحويل الأعلاف و15-35% في مُعامل التحويل الاقتصادي (ECR). إن اعتماد تركيبات الأعلاف الجديدة هذه يمكن أن يوفر للمملكة 417 مليون دولار سنويًا، بناءً على متطلبات العلف المتوقعة للإنتاج المستقبلي الأسماك البالغ 237 ألف طن. 

يمتلك "برنامج تنمية الاستزراع المائي" منشأتين تجريبيتين، هما: المختبر الأساسي للموارد الساحلية والبحرية في كاوست، ومفرخ الأسماك، الذي سيعمل بكامل طاقته بحلول سبتمبر 2024. وتُستخدم الأقفاص البحرية في البحر المفتوح في الرايس لإجراء البحوث وتقييم النمو، ومحاكاة الإنتاج التجاري. 

حقق المشروع نجاحًا في تربية واستزراع أنواع عديدة من الأسماك والكائنات البحرية في الأسر، بما في ذلك الهامور أبو سن (الزبيدي الغائر)، وسمك السبيطي (الشعم البني)، والهامور النقطي، وسمك المانغروف الأحمر (النهاش)، وجميعها أنواع مستوطنة على سواحل المملكة العربية السعودية وتتحمل، كونها استوائية بطبيعتها، الظروف الموجودة في البحر الأحمر على نحو استثنائي، وهو أمر ضروري لأدائها الناجح في الأسر. 

يعد التعاون مع الجامعات الدولية والمحلية ومراكز البحوث وصناعة الاستزراع المائي جزءًا لا يتجزأ من أنشطة الاستزراع المائي لشركة المنارة للتطوير التابعة لكاوست. وتشمل مجالات التعاون الجارية المركز اليوناني للأبحاث البحرية (HCMR)، وجامعة لاس بالماس دي جران كناريا في إسبانيا، بالإضافة إلى الجهات المعنية المحلية في مجال الاستزراع المائي مثل المجموعة الوطنية للاستزراع المائي (نقوا)، وثروات سيز، وشركة أسماك تبوك، والشركة العربية للخدمات الزراعية (أراسكو). 

ويضيف الدكتور أسعد محمد "بالنظر إلى مستقبل المملكة، يستثمر برنامج تنمية الاستزراع المائي باستمرار في بناء قدرات الكوادر الوطنية السعودية. وفي كل عام، تستقبل شركة المنارة للتطوير متدربين جدد للانضمام إلى الفريق واكتساب الخبرة في مختلف جوانب تربية الأحياء المائية، بما في ذلك التحليل المختبري ومفارخ الأسماك وإنتاج الأعلاف المائية. وتهدف هذه المبادرة إلى تنشئة جيل جديد من المهنيين الذين سيقودون مستقبل الاستزراع المائي في المملكة العربية السعودية". 

 

ولتقديم البرنامج، استضافت كاوست وبرنامج تنمية الاستزراع المائي (ADP) ورشة تعريفية في العاشر من يونيو 2024، استعرضت تعاون البرنامج الأخير مع المركز اليوناني للأبحاث البحرية حول جودة الأسماك وتفضيلات المستهلكين في المملكة، إلى جانب دراسة حول تحليل السوق واقتصاديات الإنتاج أجريت بالتعاون مع مجموعة الاستشارات (Macalister-Elliott). تشكل هذه الورشة علامة فارقة مهمة في الجهود المشتركة لاستكشاف وفهم سلسلة قيمة الاستزراع المائي وتقييم جودة المأكولات البحرية، بهدف إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لصناعة الاستزراع المائي في المملكة وضمان استدامتها على المدى الطويل.