Top

تحدٍ عالمي

حيوان الصحنية البحري (amphibalanus improvisus) الذي يلعب دوراً كبيراً في عملية التلوث الناجم عن الترسبات الحيوية (biofouling) .

بقلم نيكولاس ديميل، أخبار الجامعة

عام 1854، قامت جمعية راي في لندن بتكليف العالم شارلز داروين، بالقيام بأول دراسة لحيوان الصحنية (amphibalanus improvisus). وجاء هذا الطلب نظراً للمخاطر الكبيرة التي كانت تسببها هذه الكائنات على سفن الملاحة التجارية في القرن التاسع عشر. وتتشبث هذه الكائنات بالسفن حتى تشكل جداراً يشبه في تركيبه الخرسانة. مما يسبب ضرراً للبنية التحتية للسفن والمرافق البحرية الأخرى كالمزارع السمكية. خصوصاً أن هذه الكائنات البحرية العنيدة، سريعة النمو في تجمعات كبيرة، وقادرة على التكاثر الجنسي واللاجنسي، على حد سواء.

وتعد مجالات أبحاث التلوث الحيوي الدراسات الوحيدة، التي يمكنها التصدي لمثل هذا التحدي.

تهديد التلوث الحيوي

لا يقتصر التلوث الحيوي على السفن البحرية فقط، بل إنه موجود في أي بيئة رطبة سواءً في الأجهزة الطبية، أو في عملية انتاج الورق، أو الطعام، أو في الهياكل والمنشآت تحت الماء أوغيرها. لذلك هنالك حاجة ماسة لإيجاد حلول مجدية وعصرية لهذا التحدي الخفي.

وأكثر العمليات التي يشكل فيها التلوث الحيوي تحدياً عصيباً، هي عملية تحلية ومعالجة مياه البحر باستخدام تقنية الأغشية. إذ تتأثر كمية الطاقة اللازمة لدفع المياه عبر الغشاء مباشرة، بدرجة التلوث الحيوي المتراكم على هذه الأغشية. وإذا نظرنا الى لائحة البلدان التي تعتمد على تحلية المياه المالحة بصورة رئيسية لتوفير استهلاكها من المياه العذبة، فإن الكلفة الاقتصادية والبيئية لتحلية المياه تشكل مصدر قلقٍ بالغ. وفي هذا السياق، تحاول المؤسسات البحثية حول العالم، وفي مقدمتها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، معالجة هذه المشكلة من خلال أبحاثها المكثفة في هذا المجال. وكانت كاوست قد أسست مركز أبحاث متكامل ومتخصص، لمواجهة تحديات التلوث الناجم عن الترسبات الحيوية (biofouling) في مجال تحلية المياه.

وفي هذا السياق، يقول البروفيسور ماثيو مكابي، المدير المشارك في مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه (WDRC) في كاوست:" تعتبر المملكة أكبر منتج للمياه المحلاة على مستوى العالم. فتحويل مياه البحر، الغنية بالملوحة، إلى مياه شرب عذبة، هي مهمة معقدة جداً وذات تكلفة عالية، خصوصاً من ناحية استهلاك الطاقة. لذلك، ننظر اليوم الى تقنيات تحلية جديدة تضع في أولوياتها الحد من استهلاك الطاقة والانبعاثات الناتجة منها".

وعلى الرغم من تطوير البروفيسور مكابي وزملاؤه في مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه  في كاوست، موادً مانعة للتلوث، فضلاً عن امتلاكهم لطرق متطورة تثبط وتمنع تراكم الكائنات الحية في الأغشية، الا أنه لا يزال لديهم تحدٍ كبير ينبغي معالجته أولاً.  ويشرح البروفيسور مكابي قائلاً:" نحن بصدد النظر الى أساليب وطرق مختلفة، لا تقتصر فقط على العلاج البيولوجي، أي المادة المضادة للتلوث التي تتم اضافتها للنظام للحد من تراكم الملوثات، ولكن أيضًا، النظر في القدرة على مراقبة عملية تحلية المياه ومستوى التلوث الناجم عن الترسبات الحيوية (biofouling)، الذي سيؤثر على إنتاج المياه العذبة".

العلاقة بين الماء والغذاء والطاقة

ولا شك أن ضعف الكفاءة ينعكس سلباً على استهلاك الطاقة، وإنتاج الغذاء، ولكن الأمر مختلفٌ تماماً عندما يتعلق الأمر بالتلوث الناجم عن الترسبات الحيوية (biofouling). ففي دراسة للبروفيسورة بياينغ هونغ، أستاذة مشاركة في  كاوست مع أحد طلبة الدكتوراة في الجامعة، تبين أن التلوث الناجم عن الترسبات الحيوية (biofouling) عند مستويات معينة، يساعد الغشاء الحيوي على ترشيح البكتيريا بشكل أكثر فعالية، عكس ما كان متوقعاً.

ويربط البروفيسور مكابي المخاوف العالمية بشأن الأمن المائي بين الماء والغذاء والطاقة. إذ ينظر هو وفريقه إلى إنتاج الغذاء في منطقة الخليج، من خلال مدخلات المياه والطاقة لكل وحدة يتم حصادها. فعلى سبيل المثال، لكي نستطيع الزراعة في منطقة الخليج، نحتاج أولاً لتحلية المياه واعتماد تقنيات تزيد من كفاءة استخدام المياه والطاقة، والتي تكبد الدول المعنية تكاليف باهظة اقتصاديًا وبيئيًا. ويأمل البروفيسور مكابي في تغيير ذلك، إذ يقدر كمية المياه المخصصة للزراعة في المملكة عند حوالي 85%، ويقول: "أقضي الكثير من الوقت والجهد في محاولة تحديد كمية المياه المستخدمة في الزراعة، حتى نتمكن من إدارة الموارد المائية المتوفرة لدينا بشكل أفضل".

تحدي محلي وعالمي

يقول البروفيسور مكابي: "هذه مشكلة عالمية، فحوالي ثلثي المياه العذبة في العالم تُستهلك بطريقة أو بأخرى في عملية الزراعة". وهذا ما دفع البروفيسور توروف ليكنيس، من مركز أبحاث تحلية وإعادة استخدام المياه في كاوست، لدراسة العلاقة بين إنتاج الغذاء والموارد المائية، من خلال العمليات المتقدمة لمعالجة المياه في نظم الاستزراع السمكي.

يقول البروفيسور ليكنيس خلال حلقة نقاش أقيمت في حرم كاوست: " الزراعة هي أكثر الأنشطة استنزافاً لمصادر المياه العذبة، وإهتمامي منصبٌ على دراسة العلاقة بين المياه وإنتاج الغذاء، وبحث إمكانية توفير المياه الزراعية في البيئات الحضرية".  

ويشرح البروفيسور ماثيو مكابي: "نحن نتحدث عن الأمن المائي، وهو أحد التحديات الرئيسية التي تواجهنا في القرن الواحد والعشرين ... وهو بكل تأكيد عنصر أساسي في الأبحاث الجارية في مركزنا، نظراً لأهميته الوطنية والعالمية".