التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
تقنيات جديدة لعزل الكربون تعزّز مستقبل الطاقة المستدامة
أصبح التزايد المستمر في نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي واقعاً مقبولاً اليوم خصوصاً في ظل الطلب العالمي المتزايد على الطاقة والتي يتم في الغالب توليدها عن طريق حرق الوقود الأحفوري. حيث تزايدت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة 30٪ عن نسبته منذ أقل من قرنين من الزمان الأمر الذي يعد أحد أهم التحديات التي تواجه كوكب الأرض بآثاره الخطيرة المتمثلة في ارتفاع درجة حموضة المحيطات والتي تهدد النظم البيئية البحرية على نحو كبير، وأيضاً في ذوبان القمم الجليدية القطبية وغيرها من المشاكل البيئة المختلفة.
ونظراً لأن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تزال بعيدة عن كونها بدائل فعلية للوقود الأحفوري كمصدر أساسي للطاقة بشكل كامل أو بشكل نسبي، فقد أصبح من الضروري إيجاد حلول جذرية للتعامل مع مشكلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المستمرة. وقد فرضت بعض السلطات الحكومية حول العالم قواعد لاحتجاز "عزل" الكربون وتخزينه كحل لهذه المشكلة. وتتم عملية العزل هذه باستخدام بعض الأمينات للتفاعل مع غاز ثاني أكسيد الكربون ثم تسخينه تمهيداً لفصله وتخزينه بعد ضغطه في أسطوانات أو ضخه تحت سطح الأرض. وقد لاقت هذه الإجراءات اعتراضاً كبيراً وتم التخلي عنها في نهاية الأمر في ألمانيا التي ترى أن الطريقة الأنسب هي العزل المباشر لغاز ثاني أكسيد الكربون ومن ثم الاستفادة منه في الطاقة المتجددة.
وفي ورقة بحثية حديثة تم نشرها في مجلة Chemistry - A European Journal العلمية بالتعاون بين علماء مركز الحفز الكيميائي (KCC) في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وجامعة ميونخ التقنية (TU) ذكروا أنه من المحتمل أن يتجاوز تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي 400 جزء في المليون في الوقت الحالي مع معدل نمو يبلغ أكثر من 2 جزء في المليون سنوياً. وأفاد الباحثون أيضاً أن 0.5٪ فقط من ثاني أكسيد الكربون المنبعث يستغل حاليا كطاقة متجددة تستخدم لإنتاج مواد كيميائية مفيدة. ويصف الدكتور فاليريو ديليا - العالم الباحث في مركز الحفز الكيميائي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والمؤلف المشارك في هذه الورقة البحثية، والذي يعمل أيضاً مع بروفيسور جان ماري باسيت مدير مركز الحفز الكيميائي في الجامعة في إدارة التعاون مع جامعة ميونيخ - يصف مفهوم تحويل ثاني أكسيد الكربون مباشرة من غاز المداخن أنه تفاعل رائع ومهم جداً إذا ما تم استخدام نظام حفزي لتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية مفيدة. وبينما ينظر غالباً إلى المحفزات كتقنيات خضراء بديلة قابلة لتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن معظم تفاعلاتها مكلفة جداً نتيجة استهلاكها المعادن النادرة والنفيسة بصورة كبيرة مثل الروديوم، والإيريديوم والبلاتين. كما أن تفاعلات غاز ثاني أكسيد الكربون عادة ما تكون كثيفة الاستهلاك للطاقة، وبالتالي تحد من الفوائد البيئية الثابتة لغاز ثاني أكسيد الكربون في المواد الكيميائية المنتجة. كما يوضح الدكتور ديليا قائلا: " لا يمكن استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء أو من دخان المداخن لأنه ببساطة سيحتوي على الكثير من الشوائب والرطوبة فضلاً عن تركيزه المنخفض، الأمر الذي يتطلب منا تسخينه من 300 إلى 400 درجة مئوية بغرض تحويله إلى مواد كيميائية مفيدة. ولكن المشكلة أن هذه الطريقة تؤدي في النهاية إلى انبعاث كمية من غاز ثاني أكسيد الكربون تفوق الكمية التي تحولت. وهذا لا يعتبر حلاً فعليا ومستداماً". وعلى ضوء ذلك، تبرز مدى أهمية التقدم العلمي الذي حققه الفريق البحثي من مركز الحفز الكيميائي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة ميونيخ للتقنية، حيث تمكنوا من تحديد ودراسة حافز معدني متوفر يمكنه تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون في درجة حرارة الغرفة والضغط الجوي العادي. وأفاد الدكتور ديليا: "استطعنا تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة وبتركيز منخفض باستخدام محفز بسيط جداً، وهذا إنجاز كبير حقاً، وأنا أتطلع الآن إلى المستقبل حين يستخدم الناس غاز ثاني أكسيد الكربون من دخان المداخن مباشرة لتصنيع منتجات مفيدة، وعزله في نفس الوقت للحفاظ على البيئة".
على الرغم من عدم قيام المملكة العربية السعودية بوضح لوائح محددة تضبط انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن الشركات العاملة في قطاع الطاقة على مستوى العالم تولي أهمية كبيرة لتطوير طرق للاستفادة من غاز ثاني أكسيد الكربون بدلا من دفع ضريبة الكربون وزيادة حدة مشكلة الاحتباس الحراري العالمي. حيث تقوم شركات محلية مثل سابك وأرامكو السعودية باستهلاك الكثير من الوقود الأحفوري ولذا فإن لها مصلحة في استعادة وتحويل الكربون التي تنتجه. ويوضح الدكتور فاليريو ديليا أن البحث الذي قام هو وزملاؤه بنشره عن استخدام المحفزات المستدامة لتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون سيدعم توجه المملكة نحو الاقتصاد المعرفي لأن عزل غاز ثاني أكسيد الكربون لا يقتصر على استعادته والتقليل من أضراره على البيئة فقط وإنما يشمل أيضاً الاستفادة منه بشكل أساسي من الناحية الاقتصادية. حيث تتوفر المعادن- التي تعد أساس هذه المحفزات المستدامة - بكميات وفيرة في المملكة العربية السعودية. وهذا يمثل فرصة جيدة جداً للمملكة لتطوير هذا النوع من المركبات الكيميائية وتعزيز انتقالها من دولة منتجة لثاني أكسيد الكربون إلى دولة رائدة في مجال امتصاص وإعادة استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات هائلة لإنتاج المواد الكيميائية المفيدة.
روابط ذات صلة: