التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
تعمل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على تعزيز شراكتها الوثيقة مع شركة أرامكو السعودية، إحدى أكبر شركات الطاقة والكيميائيات المتكاملة في العالم، لتطوير بطاريات مقاومة لدرجات الحرارة القصوى، مصممة خصيصًا للتطبيقات الجوفية والحرارة الشديدة في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى البيئات الباردة وحتى القارية المتجمدة - وهو إنجاز ثوري في مجال "البطاريات الساخنة" التي تلبي ظروفاً تشغيلية متنوعة.
وقال الدكتور محمد أرسلان، رئيس فريق الاستشعار المتقدم والروبوتات في مركز التنقيب وهندسة البترول "إكسبك" التابع لأرامكو "معًا، نحن في طريقنا لتجاوز أبرز التحديات التقنية التي تواجه قطاع الطاقة". وأضاف أن خبرة أرامكو العريقة في العمليات التشغيلية تُكمّل الإمكانات البحثية المتقدمة التي تتمتع بها كاوست.
من جانبه، أوضح البروفيسور حسام الشريف، رئيس مركز التميّز للطاقة المتجددة وتقنيات التخزين (CREST) في كاوست، والباحث الرئيسي في مشروع "بطاريات البيئات الحارة"، أن المركز يفخر بالعمل مع أرامكو لمعالجة القضايا البيئية والجوفية الحرجة. وقال "يكمن التحدي الرئيسي في تحديد الأقطاب الكهربائية والفواصل القادرة على تحمل درجات الحرارة العالية"، مشيرًا إلى طبيعة العمل الابتكاري المقبل.
على الرغم من أن البطاريات القابلة لإعادة الشحن والمبنية على الليثيوم أصبحت الخيار المفضل لتشغيل مجموعة واسعة من الأجهزة والأدوات، إلا أنها عادة ما تتدهور عند درجات حرارة تتجاوز 60 درجة مئوية، مما يجعلها غير مناسبة للتطبيقات الجوفية في آبار النفط والغاز، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 65 و200 درجة مئوية. ومع ذلك، يعمل مركز التميّز للطاقة المتجددة وتقنيات التخزين في كاوست، بالتعاون مع أرامكو، على تجاوز هذا التحدي عبر تطوير بطاريات جديدة قادرة على العمل بكفاءة في نطاق درجات حرارة يتراوح بين ما دون الصفر وحتى 130 درجة مئوية.
وقال الشريف "لن تؤدي هذه التقنية إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف في تطبيقات حقول النفط ومجال التنقيب والإنتاج فحسب، بل يمكنها أيضًا تحسين أداء البطاريات في أنظمة الشبكات والمركبات الكهربائية والتطبيقات ذات الصلة من خلال تقليل متطلبات التبريد وإطالة عمر البطارية وتخفيف المخاوف المتعلقة بالسلامة، ومن ثم تعزيز الكفاءة والموثوقية في قطاعات متعددة".
وتعمل فرق البحث في كاوست وأرامكو على تطوير هذه البطاريات خصيصًا لتطبيقات إنتاج الطاقة تحت سطح الأرض. وفي الوقت ذاته، يهدف الباحثون أيضًا إلى ابتكار أقطاب كهربائية وإلكتروليتات جديدة تعزز من استقرار بطاريات "الليثيوم أيون" عند درجات حرارة تتراوح بين 10 و80 درجة مئوية، مما يجعلها مثالية للاستخدام في المركبات ذاتية القيادة (UAVs)، مع إمكانات واعدة لتخزين الطاقة على نطاق الشبكة والمركبات الكهربائية.
وأشار الشريف إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم سوق البطاريات المتنامي، بما في ذلك سلسلة التوريد بأكملها، إلى 400 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وتهدف كاوست إلى تطوير أفضل دورات حياة ممكنة للبطاريات لتزدهر في البيئات القاسية، وأكد أن "هذه مجرد البداية، فنحن نتوقع بشكل رئيسي أن تكون البطاريات هي المهيمنة في المملكة عاجلاً أم آجلاً، لذا علينا الاستعداد لذلك".
تتماشى مبادرة كاوست - أرامكو، التي اجتذبت أيضًا اهتمامًا تعاونيًا من مستثمرين محليين ودوليين آخرين، مع رؤية السعودية 2030 وأولويات هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار (RDIA)، حيث تركز على التقدم التقني وحلول الطاقة المستدامة التي تدفع بالتنويع الاقتصادي، وتعالج التحديات البيئية الإقليمية.
سلط الدكتور جهاد الدملاوي، مدير البحث والتطوير والعمليات في مركز التميّز للطاقة المتجددة وتقنيات التخزين في كاوست والقائد السابق لهذا المشروع في أرامكو، الضوء على التحديات الناتجة عن اعتماد أدوات الحقول النفطية الجوفية على بطاريات غير قابلة لإعادة الشحن، مما يؤدي إلى تكاليف استبدال متكررة وكبيرة بسبب السعة المحدودة لهذه البطاريات. ورغم توفر البدائل القابلة لإعادة الشحن، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى المتانة والأداء المطلوبين لهذه البيئات القاسية.
وقال الدملاوي "يمكن أن تؤدي مواجهة هذه التحديات من خلال تقنيات البطاريات المتقدمة إلى تحسينات كبيرة في الكفاءة والأداء والاستدامة عبر مختلف الصناعات، بما في ذلك تطبيقات الحقول النفطية الجوفية". وأضاف أن هذا التعاون يركز على تحقيق هدفين رئيسيين: تحمل درجات الحرارة العالية على المدى الطويل، وتعزيز كثافة الطاقة—وهما تحديان نادرًا ما يتم تحقيقهما في البطاريات القابلة لإعادة الشحن.
وأشار الدملاوي إلى أن الفريق المشترك بين أرامكو وكاوست تمكن، خلال أقل من عام، من تطوير عدة أنظمة بطاريات عالية الحرارة، والارتقاء بمستوى جاهزية التقنية من مرحلة الفكرة إلى النماذج التشغيلية الكاملة، مع تحقيق قفزات ابتكارية كبيرة. كما تم تصنيع بطاريات قابلة لإعادة الشحن بأشكال متعددة (مثل العملة المعدنية، والحقيبة، والأسطوانية)، والتي أثبتت قدرتها على العمل بكفاءة ضمن نطاق حراري واسع، يتراوح بين ما دون التجمد وحتى أكثر من 130 درجة مئوية.
وأشار الدملّاوي إلى أن مجلة (Energy & Environmental Sciences) الرائدة والمعنية بعلوم الطاقة والبيئة، عرضت مؤخرًا إحدى التقنيات الجديدة التي ابتكرها الفريق حول بطاريات الليثيوم والكبريت القابلة لإعادة الشحن غير القابلة للاشتعال، والتي تعمل بشكل موثوق ضمن نطاق حراري غير مسبوق يتراوح بين 20 تحت الصفر إلى 100 درجة مئوية. ويؤكد هذا الإنجاز على الشراكة المتناغمة بين أرامكو وكاوست، ويجسد نضجًا استثنائيًا في سد الفجوة بين الصناعة والأوساط الأكاديمية.
وأوضح الدكتور دونغ قوه، المؤلف الرئيسي لهذا البحث المنشور، أن بطاريات الليثيوم والكبريت، بفضل سعتها العالية، تُعد من أكثر تقنيات البطاريات الواعدة في مجال البطاريات كثيفة الطاقة. وأضاف أن نافذة الجهد المتوسطة لهذه البطاريات توفر فرصة فريدة لتطوير بطاريات مستقرة وآمنة لتطبيقات درجات الحرارة العالية، وقال "على مدار العام الماضي، طور فريق البطاريات عالية الحرارة في مركز التميّز للطاقة المتجددة وتقنيات التخزين في كاوست إلكتروليتات وظيفية ومواد أقطاب مصممة للبطاريات القابلة للتشغيل والتخزين في الظروف الحرارية القاسية". مؤكدًا أن البطاريات التجارية المطورة قد استمرت في العمل على نحو مستمر عند 130 درجة مئوية لمدة ثمانية أشهر تقريبًا مع احتفاظها بسعة ممتازة.
وأكد الدملاوي أن الفريق سيواصل العمل على تحسين مدى التشغيل الحراري وأداء البطاريات خلال السنوات القادمة، بالتوازي مع جهود التوسع في التصنيع، واختبار الأداء الميداني، والتطبيق الفعلي. كما ستُعَالَج تحديات أخرى، مثل الحاجة إلى الشحن السريع لتعزيز الكفاءة التشغيلية، وضمان توافق البطاريات المطورة مع المعدات والبنية التحتية الحالية.
وأعرب الدكتور غيثان المنتشري، مدير مركز أبحاث أرامكو التابع لمركز التنقيب وهندسة البترول (EXPEC ARC) ، عن ثقته بأن "التقنيات المتقدمة في إدارة الحرارة وعلوم المواد، التي تُطَوَّر عبر شراكة أرامكو-كاوست، تفتح آفاقًا جديدة في مجال تخزين الطاقة، مما يضمن أداءً موثوقًا حتى في أقسى الظروف الحرارية". وأكد أن المركز سيواصل تعاونه مع كاوست لدفع عجلة الابتكار في هذا المجال.
بدوره، أوضح الدكتور أرسلان أن قطاع الطاقة يفتقر إلى بطاريات قابلة لإعادة الشحن موثوقة للحرارة المرتفعة. وأضاف أن تطوير كيمياء بطاريات جديدة تتضمن إلكتروليتات وأقطاب كهربائية وتصاميم تغليف متطورة هو الحل الأمثل لضمان الأداء السلس في درجات الحرارة المرتفعة.
وأشار إلى أن تطوير بطاريات قادرة على الصمود في درجات حرارة عالية يمكن أن يقلل من الاعتماد على البطاريات الأولية ذات الاستخدام الواحد، مما يساهم في خفض التكاليف وتقليل البصمة الكربونية. ولفت إلى أن المشروع الحالي يسعى إلى تطوير نماذج أسطوانية تعمل عند 130 درجة مئوية لمئات الدورات، مع الحفاظ على كثافة الطاقة لأكثر من عام.
وأشار الشريف إلى أن هندسة بطاريات مستقرة في درجات حرارة عالية تقلل من متطلبات التبريد وتوفر الطاقة في تطبيقات مختلفة خارج نطاق إنتاج النفط والغاز، بما في ذلك أنظمة الشبكات وسوق السيارات الكهربائية، وقال "علاوة على ذلك، يمكن الحفاظ على عمر البطارية أو تحسينه في الظروف الجوية القاسية باستخدام هذه الأقطاب الكهربائية المصممة هندسيًا. وبالمثل، يمكن تعزيز سلامة البطارية من خلال صنع بطاريات غير قابلة للاشتعال يمكنها تحمل درجات حرارة أعلى".
واختتم الدكتور عبد الوهاب الغامدي، رئيس مركز أبحاث أرامكو في كاوست، قائلًا "إن التعاون بين أرامكو وكاوست يفتح آفاقًا جديدة نحو إطلاق كامل الإمكانات في مجال تطوير البطاريات المتقدمة".