Top

مركز التميز للصحة الذكية في كاوست (KCSH)

شهد قطاع الصحة في المملكة العربية السعودية تطورات ملحوظة منذ منتصف القرن العشرين، حيث زاد متوسط العمر المتوقع للأفراد من 41 عامًا في عام 1950 إلى 77 عامًا في عام 2021. ورغم هذه المكاسب الكبيرة، تبرز مخاوف صحية مرتبطة بزيادة عمر السكان، حيث من المتوقع أن يشكل الأشخاص فوق 65 عامًا 9,5% من سكان المملكة بحلول عام 2035، وستصل النسبة إلى 20% بحلول عام 2050. ستؤدي شيخوخة السكان إلى زيادة ملحوظة في انتشار الأمراض المزمنة مثل السكري والسرطان وتدهور القدرات الذهنية. علاوة على ذلك، تواجه المملكة معدل انتشار عالٍ للأمراض الوراثية، وهو ما يُعزى جزئيًا إلى ارتفاع نسبة زواج الأقارب. كما أن خطر الإصابة بالأمراض الوراثية يزداد نتيجة لتغير المناخ، وتدني جودة الهواء، وارتفاع معدلات السفر الدولي. تسهم هذه العوامل في زيادة الوفيات المبكرة، وتُضيف أخطار جديدة نتيجة تهديدات الأمراض المعدية ومقاومة مضادات الميكروبات. تُبرز هذه المعطيات الحاجة إلى استراتيجيات فريدة لتأمين صحة السكان في المملكة. 

في هذا الإطار، وامتثالاً للأولوية الوطنية في تعزيز صحة الإنسان بالمملكة، أُنْشِئ مركز التميز للصحة الذكية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). يترأس المركز البروفيسور عماد غالوزي، وهو أستاذ في العلوم البيولوجية، ويشاركه في القيادة البروفيسور شين غاو، الذي يشغل منصب رئيس وأستاذ برنامج علوم الحاسب الآلي في كاوست. سيتعاون المركز مع شركاء من مختلف أنحاء المملكة، بما في ذلك الوزارات الحكومية والمستشفيات ومراكز الأبحاث الوطنية، من أجل تطوير تقنيات مبتكرة في مجال الصحة الذكية ودمجها في نظام الرعاية الصحية. 

وأشار عماد غالوزي رئيس المركز إلى أن "الصحة الذكية تتمثل في استخدام التقنيات الرقمية والذكية، بدءًا من الهواتف الذكية وصولًا إلى الحواسيب العملاقة، لجمع البيانات وتحليلها بهدف استخدامها في التشخيص والعلاج والوقاية من الأمراض". 

لإيجاد حلول صحية فعالة، استقطب المركز خبراء من تخصصات ومجالات متعددة تشمل العلوم البيولوجية وعلوم الحاسب الآلي (كالذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة) وعلوم المواد والهندسة والإحصاء. ويهدف المركز إلى تطوير ونشر تقنيات ومعارف الصحة الذكية لمواجهة تحديات الأمراض المعدية وغير المعدية. وقد أظهرت الطبيعة التعاونية لأعضاء المركز، سواء داخل كاوست أو مع الشركاء من خارج الجامعة، نتائج ملموسة من خلال التعاون مع الصناعة، مما أسفر عن مشاريع تجارية ناجحة، مثل تطوير كاميرات لرعاية مرضى السكري وأدوات التسلسل الجيني لتشخيص الأمراض الوراثية النادرة. علاوة على ذلك، ستساهم هذه التقنيات في تحسين الاقتصاد الصحي للمملكة، مما يعزز مكانتها في مجال الصناعات الصحية الجديدة. 

تسري الجهود حاليًا لإنشاء البنية التحتية الضرورية لتحسين نظام الرعاية الصحية في البلاد من خلال العلوم المتقدمة. وسيُطَوَّر المركز العديد من المنصات، مثل البنوك الحيوية التي تحتوي على الخلايا الأولية والخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات، وكذلك الأعضاء المصغرة المنتجة في المختبر لدراسة الأمراض وتطورها. فضلا عن ذلك، سيُنشأ بنك للميكروبيوم ليكون مصدرًا للبروبيوتيك (المعززات الحيوية) وغيرها من منتجات التقنية الحيوية، ومنصة ناقلات فيروسية لاختبار العلاجات الجينية ودراسة الأنظمة الجينية. ستساهم هذه المرافق في تعزيز مكانة كاوست كمركز رئيسي في شبكة الأبحاث الصحية بالمملكة، مما يؤدي إلى تحسين التعاون مع المعاهد والشركات الطبية. كما يستضيف المركز أول برنامج للماجستير والدكتوراه في المملكة، حيث يكمل الطلبة متطلبات شهاداتهم الطبية في إحدى الجامعات الشريكة في البلاد، ثم يحصلون على درجة الدكتوراه من كاوست. سيوفر هذا البرنامج مسارًا جديدًا للأطباء ليتابعوا مسيرتهم البحثية، مما يعزز العلاقة بين الجامعة والمستشفيات الجامعية. إضافة إلى ذلك، ستشارك كاوست مرافقها البحثية المتطورة مع شركائها، بما في ذلك بعض من أفضل مرافق تسلسل الجينوم والحوسبة الفائقة وخدمات النماذج الأولية في منطقة الشرق الأوسط. 

مجالات البحث الرئيسية 

سيركز النشاط البحثي في مركز التميز للصحة الذكية على نهجين رئيسيين: الأول هو النهج القائم على علم الأحياء، الذي يتناول قضايا الصحة الواحدة، والشيخوخة الصحية والتقنيات التجديدية. والثاني هو النهج القائم على التقنية الذكية، والذي يشمل تقنيات التشخيص والاستشعار الذكية، بالإضافة إلى المعلوماتية الحيوية والبيولوجيا الحاسوبية. إن التكامل بين هذه المحاور الأربعة يُمكّن المركز من التصدي للتحديات الرئيسية المتعلقة بالأمراض المعدية وغير المعدية، مما يسهم في تحقيق تأثير إيجابي على سكان المملكة العربية السعودية. 

  • الصحة الواحدة: هي استراتيجية بحثية شاملة تهدف إلى مواجهة الأمراض المعدية التي تشكل تهديدًا للمملكة العربية السعودية. وتجمع في مفهومها بين رفاهية الإنسان والحيوان والبيئة، كما ترتبط بالميكروبيومات الحيوية (البكتيريا المتعايشة مع الانسان أو أي من الأحياء الأخرى) التي تساهم في وظائف النظام البيئي. تساهم الميكروبيومات الصحية في تحقيق توازن النظم البيئية وتقليل الملوثات، مما ينعكس إيجابًا على صحة الإنسان، ويساعد أيضًا في تطوير التقنية الحيوية. تؤدي الاختلالات الكبيرة في النظم البيئية إلى تفشي الأوبئة وزيادة مقاومة مضادات الميكروبات، مما يهدد الصحة العامة في المملكة والمنطقة والعالم. سيتبنى موضوع "الصحة الواحدة" هذا النهج لمراقبة النظم البيئية وتصحيح الاختلالات، والعمل على حماية المملكة من التهديدات الصحية الناشئة والمرتبطة بالميكروبات والمواد الكيميائية، والتي ستتزايد نتيجة لتغير المناخ والأنشطة البشرية وارتفاع حركة السفر العالمية.  
  • الشيخوخة الصحية والتقنيات التجديدية (HeART): يتناول هذا الموضوع التحديات العاجلة المرتبطة بتعزيز العمر الصحي، خاصة في ظل زيادة عدد المسنين في المملكة والعالم. يسعى هذا الموضوع إلى اعتماد نهج شامل للتقليل من الآثار الصحية للأمراض غير المعدية، ويركز على نحو أساسي على تعزيز فهمنا لعمليات الشيخوخة الطبيعية. كما يهدف إلى تطوير تدخلات علاجية فعالة يمكنها إبطاء أو وقف أو حتى عكس التأثيرات الصحية المرتبطة بالشيخوخة. يركز هذا المحور على نحو أساسي على تعزيز فهمنا لآليات الشيخوخة الطبيعية، بالإضافة إلى تطوير تدخلات علاجية فعّالة يمكن أن تساعد على إبطاء أو وقف أو حتى عكس التأثيرات الصحية المرتبطة بالشيخوخة. 

  • تقنيات التشخيص والاستشعار الذكية: يرتبط هذا الموضوع بتطوير أفكار جديدة وأدوات مبتكرة لمواجهة التحديات الصحية الملحة في المملكة العربية السعودية، مثل مكافحة الأمراض المعدية ووسائل المراقبة البيولوجية والحالات الصحية المرتبطة بالعمر. يأتي هذا العمل في صميم تقنيات الاستشعار والتشخيص وتحليل البيانات المتقدمة، التي تركز على تعزيز الرعاية الصحية الاستباقية والطب الوقائي. يضم هذا المحور خبرات واسعة لأعضاء هيئة تدريس متميزة في تطوير حلول صحية ذكية تهدف إلى التشخيص السريع والمراقبة الصحية المتقدمة وتقديم العلاجات المستهدفة. تسهم هذه الأدوات في إعادة تشكيل وتحسين بُنية الرعاية الصحية لتلبية التغيرات السكانية والاحتياجات الصحية المتزايدة في المملكة. 

  • المعلوماتية الحيوية والبيولوجيا الحاسوبية: يهدف المجال إلى تطوير أساليب وخوارزميات لتحليل كميات ضخمة من البيانات البيولوجية والطبية الحيوية. كما يسعى إلى توفير الأدوات والمنهجيات اللازمة لإدارة واستخراج البيانات، فضلاً عن توقع ظهور الأمراض وتطورها، مما يساهم في تسريع عملية الانتقال من البحث إلى التطبيق السريري. هذا النهج المتكامل يعزز قدرة المركز على معالجة التحديات الصحية المعقدة والمتعددة الأبعاد في المملكة بشكل فعّال.