Top

سد الفجوة الرقمية من خلال تحسين الاتصالات اللاسلكية في المملكة

على الرغم من أن الهواتف الذكية أصبحت منتشرة في كل مكان، إلا أن العديد من الأشخاص حول العالم - خاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق نائية ومنخفضة الدخل – لا يزالون يفتقرون إلى الوصول إلى شبكة اتصالات الهاتف المحمول. وبدون هذا الشبكة، لا تستطيع هذه المجتمعات الوصول إلى الأخبار والمعلومات والخدمات الأساسية والأعمال التجارية عبر الإنترنت وكذلك الاستفادة من الاتصال الاجتماعي الذي توفره الاتصالات اللاسلكية. 

وفي مسعاً جديد لسد فجوة الاتصالات هذه، بدأت حكومة المملكة العربية السعودية، من خلال هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في نوفمبر 2021 بتكليف ثلاث جامعات سعودية للعمل معًا في دراسة تعاونية لاستخدام الطيف اللاسلكي المحدود للترددات الراديوية (RF) بشكل فعال لتوسيع نطاق تغطية الاتصالات المتنقلة في المناطق النائية في المملكة.

الجامعات المشاركة في هذه الدراسة هي: جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. يقول البروفيسور صالح الشبيلي، أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة الملك سعود، إن "تشكيل فريق بحثي يمتد عبر الجامعات الثلاث كان الجزء السريع والسهل من المشروع". ويضيف الشبيلي "لقد سبق أن تعاونا في مشاريع مختلفة لأكثر من 10 سنوات".   

نقص الموارد في الاتصالات اللاسلكية  

تشكل الترددات الراديوية (RF) موردًا محدودًا يدعم جميع الاتصالات اللاسلكية. وينقسم طيف الترددات اللاسلكية إلى نطاقات مخصصة لاستخدامات محددة بما في ذلك اتصالات الراديو والبث التلفزيوني ونظام الهاتف المحمول الخلوي ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وشبكة الواي فاي (Wi-Fi) والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. يقول الشبيلي "يعتبر طيف الترددات الراديوية أحد أهم الموارد لأي دولة".  

بينما تزداد الحاجة إلى اتصالات الهاتف المحمول الخلوية، يتراجع الطلب على البث التلفزيوني. وبدلاً من استخدام هذا الجزء من طيف الترددات اللاسلكية، المعروف بنطاق الموجات فوق العالية جدًا (UHF) تحت 700 ميجاهرتز، للبث التلفزيوني، يمكن إعادة تخصيصه لشبكات اتصالات الهاتف المحمول. 

يقول عمار الفالو، مهندس أبحاث الذي قاد مشاركة كاوست في المشروع "يمكن لنطاق الترددات تحت 700 ميجاهرتز توفير اتصالات الهاتف المحمول للأشخاص غير المتصلين في المناطق الريفية المتفرقة". مقارنة بشبكات الهاتف المحمول التقليدية، يستخدم نطاق الترددات تحت 700 ميجاهرتز موجات راديوية ذات طول موجي طويل يمكنها قطع مسافات أطول واختراق العقبات، مثل التلال أو الجدران، بسهولة أكبر. وقد تسمح المسافات الطويلة التي تقطعها الإشارات بتغطية مناطق واسعة مع عدد قليل من المحطات الأساسية، مما يقلل من تكاليف البنية التحتية للشبكة.  

يقول الدكتور عبد الله الجهني، خبير تقنية الاتصالات اللاسلكية في هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية " تهدف الهيئة بصفتها الجهة التنظيمية الوطنية لهذا المشروع إلى فهم طبيعة المشكلة، وفي الوقت نفسه التوصل إلى حلول هندسية مبتكرة. حيث يمكن لطيف الترددات المساهمة بنسبة تصل إلى 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن ثم، فإن العمل على تحسين تأثيره الحالي يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030".  

التحدي المحتمل - والسؤال الذي طلبت الهيئة من الفريق الأكاديمي تقييمه - هو أن المملكة تجاور دولًا عديدة لا تزال تستخدم نطاق الترددات تحت 700 ميجاهرتز للتلفزيون. لذا، كلفت الهيئة الفريق بتحليل ما إذا كان يمكن للاتصالات اللاسلكية على هذا النطاق في المملكة العربية السعودية أن تعمل مع البث التلفزيوني المستخدم في الدول المجاورة. 

يقول الفالو "كانت مهمتنا الأولى أن نثبت للاتحاد الدولي للاتصالات قدرتنا على استخدام هذا النطاق للاتصالات اللاسلكية بالقرب من الحدود، دون التداخل مع البث التلفزيوني في الدول المجاورة". ثم كان على الفريق تقييم ما إذا كانت إشارة التلفزيون من هذه الدول يمكنها التشويش على شبكة الاتصالات السعودية تحت 700 ميجاهرتز عن طريق تسببها في تداخل الإشارات إما في المحطة الأساسية، أو في جهاز المستخدم. 

إشارات إيجابية 

لكن تنوع واتساع المناطق الحدودية للمملكة مع جيرانها حال دون استخدام القياسات الميدانية لجمع كل البيانات اللازمة للتحليل. لذلك، استخدم الفريق برامج حاسوبية لمحاكاة التداخلات المحتملة للإشارة في أقسام مختلفة من الحدود السعودية. على سبيل المثال، تُعد الحدود مع الإمارات العربية المتحدة منطقة صحراوية قليلة السكان من الجانبين، بينما تتكون الحدود مع البحرين من منطقتين حضريتين تفصل بينهما مسافة ثماني كيلومترات بحرية تقريبًا. 

يقول الفالو "وزعنا مناطق الحدود المختلفة بين العديد من المهندسين المشاركين في الدراسة، أولاً حتى نتمكن من تقديم توصية محددة لكل منطقة حدودية، وأيضًا حتى نتمكن من التحقق من عملنا من خلال التكرار. وشمل التحليل استخدام برامج تضمنت تفاصيل التضاريس في كل موقع".  

وأخيرًا، تحقق الفريق من نتائج المحاكاة عن طريق عمل اختبارات حقيقية مع هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية. يقول الفالو "ذهبنا إلى موقع بين كاوست وجدة، وأجرينا بعض القياسات للتأكد من أن محاكاتنا تتطابق مع القيمة المقاسة".  

يقول الشبيلي "كان هذا التعاون ناجحًا للغاية. وتمكن فريقنا من إكمال المرحلة الأولى، لتقديمها إلى الاتحاد الدولي للاتصالات، في وقت قصير جدًا". ويضيف " كانت النتائج الأولية للمرحلة الثانية من الدراسة، والتي قدمناها إلى هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية مشجعة للغاية". ويضيف "من خلال التعاون، يمكننا مشاركة الموارد وتبادل الخبرات وتوسيع نطاق معرفتنا. ومن ناحية أخرى، يؤكد هذا التعاون ريادة كاوست في مجال البحث التعاوني على المستويين الوطني والدولي".