Top

الطبيعة: الكيميائي المثالي

يرأس نيكولاس هادجيكريستيديس (إلى اليسار)، أستاذ العلوم الكيميائية البارز في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مختبر تصنيع البوليميرات في الجامعة. ويعمل مع فريقه البحثي على معالجة الجزيئات الضخمة على المستوى النانوي. صورة من الأرشيف.

بقلم صوفيا توروسينسكي، أخبار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

من الصعب تخيل العالم من دون البلاستيك والبوليميرات الأخرى رغم أن كثيرين يشكون من انتشارها الواسع. فمن دونها، ستصبح الطائرات أثقل وتستهلك وقوداً أكثر؛ وخيارات الأطراف الاصطناعية التي يستطيع الجراحون تقديمها للمرضى محدودة؛ وستكون النظارات أثقل وزناً وأكثر قابلية للكسر.

يرأس البروفيسور نيكولاس هادجيكريستيديس، أستاذ العلوم الكيميائية البارز في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، مختبر تصنيع البوليميرات في الجامعة، الذي يفتخر بتعاونه الوثيق مع مختبر البروفيسور إيف نانو، أستاذ جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية البارز في العلوم الكيميائية ونائب الرئيس المكلف للشؤون الأكاديمية.

وأوضح هادجيكريستيديس أهمية البوليميرات في حياتنا اليومية، والتي يعدّ البلاستيك مجموعة فرعية منها، قائلاً: إن الجزيئات الضخمة، وهي الوحدات الأساسية للبوليمرات، متوفرة في الطبيعة، حيث نجدها في البروتينات، وفي الحمض الريبي النووي، وفي عديدات السكريد.

يعمل نيكولاس هادجيكريستيديس (في الوسط)، الأستاذ البارز في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مع فريقه البحثي في الحرم الجامعي على تطوير بوليميرات ذات خصائص غير مسبوقة. صورة من الأرشيف.

وأشار إلى أن: "البوليميرات، والبلاستيك تحديداً، تضطلع بدور مهمّ في حياتنا، ولكن الأمر يعود إلى العلماء في جعلها أكثر استدامة وإلى المستهلكين في التحلي بمسؤولية أكبر بشأن إعادة تدويرها واستخدامها".

يصف هادجيكريستيديس نفسه بأنه مهندس معماري للجزيئات الضخمة التي يعالجها على المستوى النانوي.

وأضاف: "نحن نصمم الجزيئات الضخمة بأشكال مختلفة مثلما يصمم المهندس المعماري منزلاً أو جسراً. نصمم تفاعلاً كيميائياً، ومن ثم نبني المفاعل الذي سيصنّع الجزيء. وتكتسي هندسة الجزيئات الضخمة أهميةً بالغة لأن جوهر خصائص البوليميرات يقع على المستوى الجزيئي".

يعمل أستاذ جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية البارز، نيكولاس هادجيكريستيديس (إلى اليمين)، مع باحثين في مختبر تصنيع البوليميرات في الجامعة. صورة من الأرشيف.

ويشتهر هادجيكريستيديس وفريقه بمنهجية البلمرة الأنيونية باستخدام أساليب الخلاء الشديد. ولا تستخدم هذه المنهجية عالية التخصص إلا في عدد ضئيل من المختبرات حول العالم، حيث يعدّ تعلّم نفخ الزجاج حاجزاً يحول دون ذلك.

وشرح هادجيكريستيديس ذلك قائلاً: "يجب أن تعمل في الخلاء لأن الأنيونات شديدة الحساسية للرطوبة والأكسجين. نستخدم أدوات زجاجية مخصصة صنعت يدوياً في المختبر للتحكم بالتفاعلات. إنه أسلوب شديد الحساسية قد يستغرق تعلمه ستة أشهر".

يكفي تلوثاً بسبب نفايات الإطارات

يعمل هادجيكريستيديس وفريقه على الحدّ من التلوث المواد، من خلال إعادة النظر في الإطارات، التي لا يمكن إعادة تدويرها بسهولة نظراً لتعذر إذابتها. ويستفاد منها حالياً في أغراض أخرى كاستخدامها كأحد مكونات الأسفلت؛ أو حرقها؛ أو تركها في مكبات النفايات، إلا أن الغرضين الأخريين غالباً ما يسببان مشاكل كبيرة، و ذلك لأنهما يحرران مواداً سامة ويشغلان مساحة كبيرة في المكبات المكتظة.

بدأ هادجيكريستيديس بالتفكير بإعادة تدوير الإطارات منذ أن كان طالباً في مرحلة ما بعد الدكتوراه. ومن المشاريع التي يعمل على إنجازها في الجامعة، مشروع تطوير عملية بلمرة، تستخدم الربط التصالبي الفيزيائي عوضاً عن الكيميائي، لصناعة بوليمير متلدّن بالحرارة للإطارات، وهي خاصية تدل على أن البوليمير السائل عند درجة حرارة معينة، سيتصلب عند تبريده، ويبقى رغم ذلك مرناً بما يكفي للعمل على الطريق.

أشار أستاذ جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية البارز، نيكولاس هادجيكريستيديس (إلى اليسار)، إلى أن أبحاثه مستوحاة من الطبيعة، كونها الكيميائي المثالي. صورة من الأرشيف.

هناك تعارض في كيمياء البوليميرات بين المرونة واللدونة الحرارية، ولكن هادجيكريستيديس وفريقه قادرون على صناعة بوليميرات مشتركة، ثلاثية الكتل باستخدام البوليسترين والبوليدين، تمتاز بالخاصيتين (المرونة واللدونة الحرارية). ويتمثل التحدي الثاني في استخدام هذه المنهجية لتحضير بوليمير مستقر في درجات الحرارة العالية، يمكن استخدامه في صناعة الإطارات.

وعلق هادجيكريستيديس على ذلك قائلاً: "ستحدث إعادة تدوير الإطارات أثراً هائلاً على البيئة. ونحن نسعى إلى استبدال الإطارات بصناعة بوليمير مرن عالي المتانة ولدن حرارياً يمكن تدويره".

ويعمل هادجيكريستيديس وفريقه أيضاً في مجالات أخرى متصلة بإعادة التدوير، ومنها البولي إيثيلين القابل للتفكك بيولوجياً (لحل مشكلة الأكياس البلاستيكية) والبوليمرات الملائمة/ القابلة للتفكك بيولوجياً (البولي إيثرات والبوليسترات) للاستخدامات الطبية.

الاستلهام من الطبيعة

اكتسب هادجيكريستيديس اعترافاً بريادته بفضل عمله في تصور وتطوير بوليميرات ذات تصاميم غير مألوفة.

وقال: "أنا مهتم بالتصاميم غير المألوفة، لأنها ترشدنا إلى مواد جديدة غير مسبوقة".

ويذكر أن هادجيكريستيديس حصل في عام 2015 على جائزة الجمعية الكيميائية الأمريكية في كيمياء البوليميرات، وهي أرفع جائزة في هذا المجال. ومن المعروف أن مختبره من أبرز مراكز هندسة الجزيئات الضخمة المعقدة وأكثرها ابتكاراً في الوقت الحالي.

واختتم كلامه قائلاً: "أستقي الإلهام من الطبيعة. ويسعى جميع كيميائيي البوليميرات إلى تصميم مواد ذات خواص محددة مسبقاً، على غرار ما يحدث في الطبيعة، فهي الكيميائي المثالي".