Top

علماء جامعة الملك عبدالله يطورون نماذج للتنبؤ بالأحداث المناخية القاسية

الأستاذ إبراهيم حطيط، الباحث الرئيسي في فريق النمذجة والتنبؤ بموائع الأرض

بينما تستعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة لإنشائها، فان مجتمع الجامعة لديه العديد من الانجازات التي سيحتقل بها بالإضافة إلى بعض الأحداث التي لا تنسى وتستحق القاء الضوء عليها. ومن المثير للاهتمام، أن أحد هذه الأحداث الجديرة بالذكر كان حدثا طبيعيا غير متوقع مازال يمثل أحد أسس البحوث متعددة التخصصات التي يتم اجرائها بالجامعة حتى الآن. حيث شهد اقليم جدة "في 25 نوفمبر 2009 " بعد افتتاح الجامعة بفترة قصيرة هطول ما يزيد عن 140 ملليمتر من الأمطار خلال ثماني ساعات فقط مما تسبب في أكثر من 100 حالة وفاة وخسائر اقتصادية تفوق المائة مليون دولار.

ويقول د. ابراهيم حطيط الأستاذ المشارك في قسم هندسة وعلوم الأرض والباحث الرئيسي في فريق النمذجة والتنبؤ بموائع الأرض" أن هطول هذه الكميات من الأمطار في وقت واحد خلال ساعات قليلة مع عدم وجود أماكن مخصصة معدة لتجميعها أدى إلى انتشارها في الطرقات. ويضيف "إن الفيضانات تمثل تحديا كبيرا في المناطق القاحلة في ظل وجود شبكات صرف صحي محدودة".

ويضيف د. حطيط موضحاً: " إن الأمطار لا يتم امتصاصها "تصريفها" سريعا في هذه المناطق، ونحن نحاول إعادة تصميم أمطار عام 2009 وفيضان عام 2001 باستخدام المراقبة والنمذجة. وكما يؤكد " أن النماذج تتوقع البيانات المستقبلية، كما أن البيانات ترشد النماذج إلى الحقيقة "الواقع".

ويشير نموذج حاسوبي رائع لمدينة جدة على شاشة الحاسب الخاص به يضم 20000 مبني شاملا ما يحيطها من الجبال والمسارات التقديرية التي اتخذتها المياه عندما غمرت المدينة.

تصميم النماذج التنبؤية لفيضانات جدة

ويوضح د. حطيط " ومن أجل تصميم نموذج محلي على مستوى مدينة جدة، قمنا بتقليص "تصغير" النماذج من المستوى العالمي إلى نموذج ممتد على مستوي اقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " MENA" وصولا إلى بضع مئات من الأمتار فوق جدة". وقد قام فريق د. حطيط باستخدام بيانات من الأقمار الصناعية والمصادر الدولية الأخرى للحصول على بيانات اقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نموذج حاسوبي يظهر محاكاة لمدينة جدة في ظل ظروف الفيضانات.

تم الحصول على المعلومات من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة " PME " ومن أمانة محافظة جدة نظرا لانه في نهاية المطاف سيتم التركيز على اقليم جدة، وتم استخدام البيانات التي تم جمعها لتدعيم وتوجيه نماذج الغلاف الجوي والطقس المستخدمة للتنبؤ.

وقال د. حطيط " أشارت التجارب أنه باستخدام جميع الملاحظات المتاحة والطرق الحديثة للتنبؤ بالطقس يمكن التنبؤ بحالات الأمطار الشديدة المدمرة قبل هطولها بيوم أو يومين. " ولذا فإننا يمكننا الاستفادة بشكل كبير من هذه التوقعات وإصدار التحذيرات في الوقت المناسب.

ثم يتم استخدام الأمطار كمدخل في تصميم نماذج عالية الدقة لمحاكاة فيضانات الشوارع في مدينة جدة. من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن نماذج الموائع البيئية ليست متقنة، ولذلك يتم استخدام نتائجها كمتغيرات عشوائية في بعض التصنيفات. "ويتوقف تقدير جودة ودقة توقعاتنا على بعض المعالجات الرياضية والحسابية المعقدة. ونحن نسعى جاهدين لحساب أفضل تمثيل ممكن لتصنيف النظام وفقا للنماذج والبيانات المتاحة ".

ويتم تنفيذ هذه النماذج المتطورة، التي تراعي المدخلات والنمذجة غير المؤكدة، من خلال جهود مجموعات عمل متعددة التخصصات بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. حيث يتعاون د. حطيط بشكل وثيق مع الدكتور عمر كنيو، أحد الخبراء الدوليين في مجال عدم اليقين الكمي. كما يعتمد د. حطيط في عمله أيضا على التعاون الوثيق مع باحثي مراكز التصور والحوسبة فائقة الأداء. ويوضح د.حطيط " أن التصور العلمي هام جدا لنا كوسيلة لشرح مفاهيمنا العلمية للعامة ولمستخدمي هذه التقنية."

نمذجة المحيطات وتأثير التيارات البحرية

اعتمد د. حطيط وفريقه على رصد "متابعة" المحيطات والأرصاد الجوية خلال جهودهم لبناء نماذج للتنبؤ تهدف إلى توقع الأحداث البحرية والجوية المتطرفة" القاسية". ومن الضروري أن يتم استكمال هذه الملاحظات مع البيانات الفعلية التي يتم جمعها محليا ومن المنطقة بأسرها لبناء نموذج بيئي فعال.

يعمل فريق الدكتور إبراهيم حطيط بشكل وثيق مع المختبر المركزي للتصور في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لابتكار نماذج لرصد والتنبؤ بالظروف المناخية بالبحر الأحمر.

وقد تمكنت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية من اعادة تحليل الحالة الجوية فوق البحر الأحمر على مدار 14 عاماً ( اعتبارا من عام 2000م وحتي عام 2014م) وذلك على بعد 10 كم باستخدام مجموعات بيانات من أرامكو السعودية، والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والأقمار الصناعية. ويعد هذا التحليل أحد أعلى و أدق التحليلات من نوعها في المنطقة.

وقال د. حطيط " بمجرد الانتهاء من التنبؤ بالغلاف الجوي، يمكنك المضي قدما لمحاكاة المحيط...... نحن نريد أن نتتبع تاريخ كل ما حدث في البحر الأحمر فيما يتعلق بكل من المحيط والغلاف الجوي." ويستهدف الفريق على المدى الطويل المزج بين نماذج الغلاف الجوي والمحيطات ومحاكاتهما في نظام واحد، تماما كما يحدث في الطبيعة.

ويعد فهم تنوع تيارات المحيطات ذو أهمية حيوية أيضا من أجل استحداث صورة شاملة وواسعة النطاق لدراسة وتوقع فيزياء وعلوم أحياء البحر الأحمر. ويستهدف فريق د. حطيط من خلال استيعاب البيانات، توفير نماذج التنبؤ الآنية والمستقبلية للبحر الأحمر. يشمل هذا رصد طويل الأجل ودراسة العمليات الأساسية في البحر الأحمر، والذي يتم من خلال تعاون وثيق مع الدكتور بيرتون جونز من مركز أبحاث البحر الأحمر بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

يشهد البحر الأحمر قدر كبير من التبخر بسبب الحرارة والرياح، حيث يفقد سنويا مترين من المياه يتم استيعاضها فعليا من مياه المحيط الهندي من خلال مضيق باب المندب. ويشكل هذا ظاهرة تسمى" التيارات المحيطية " وقد رصد فريق البحث وشرح في ورقتين علميتين تم نشرهما مؤخرا أن التيارات المحيطية في البحر الاحمر تعكس اتجاهاتها صيفا وشتاء. ويوضح د.حطيط " ان لذلك أثرا هاما على الأحياء لأن هذه التيارات تنظم وتغير الإمدادات الغذائية والمواد المغذية للأسماك والشعب المرجانية. حيث لا يمكن دراسة الأحياء بدون دراسة التيارات المحلية والكبرى أو دراسة الظروف البيئية " الفيزيائية" حيث لا توجد وسيلة لفهم الصورة كاملة ".

التطبيقات الصناعية

لا تقتصر أهمية هذه المعلومات التفصيلية عن التيارات المحيطية والمناخية بالبحر الأحمر على الأسباب العلمية البحتة، ولكن لأن لها تطبيقات مباشرة على الصناعة. وقد قدم د. حطيط مثالا محددا عن شركة بترول تقدمت بطلب استشارة لمعرفة نماذج الوقت الحقيقي لدوران التيارات لتحديد أماكن الحفر المثلى بغرض تخفيف خطر انتشار التسرب في حالة وقوع حادث.

يوضح د. حطيط " ما يمكن القيام به هو تشكيل قاعدة بيانات من نماذج المحاكاة التي تستند على حقائق معروفة. حيث يتم اجراء محاكاة دقيقة بقدر الامكان من خلال استيعاب الحقائق المعروفة من مصادر مختلفة، مع وجود قدر من عدم اليقين.

ويستطيع د.حطيط باستخدام موارد مراكز التصور والحوسبة الفائقة البحثية بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تصميم نموذج الوقت الحقيقي للتيارات البحرية، مع ابلاغ شركة البترول عن أنسب مكان للحفر قبل الانتهاء من تصميم النموذج. وقد يكون للشركة بعض الشروط المحددة مثل سرعة المياه. ويمكن للنموذج الحاسوبي، بنقرة أو حركة من فأرة الحاسوب، تحديد نقاط مختلفة على خريطة البحر تتوفر فيها هذه الشروط مع توضيح قدر عدم اليقين وفقا لمجموعة البيانات الأساسية للنموذج.

تعد جهود الفريق البحثي للدكتور حطيط في البحر الأحمر جزء من هذا المشروع الذي يقدم النماذج التنبؤية الحيوية. حيث يمكن استخدام نتائج هذه النماذج على سبيل المثال في تحسين عمليات الطائرات الشراعية الروبوتية ذاتية التحكم المنتشرة في البحر الأحمر في مهام رصد استطلاعية. ونظرا لأن هذه الطائرات الشراعية تعمل بسرعة محددة، فان بيانات الوقت الحقيقي الخاصة بسرعة واتجاه التيارات في البحر الأحمر تعد أمرا حيويا. فإذا كان الماء يتحرك خلف الطائرة الشراعية في الاتجاه المعاكس فان الطائرة ستتراجع إلى الخلف، لتعيق تقدم التشغيل.

قال د. حطيط "إن هذا بفضل التكامل بين الحوسبة الفائقة والتصور العلمي والفيزياء". حقا، إن القليل من المؤسسات التي تستطيع الحصول على هذا النوع من التقنية."


روابط ذات صلة