التحق بالجامعة
الانتقال إلى الجامعة
انضم إلينا
وظائف أعضاء هيئة التدريس
رؤيتنا
المجلة العلمية
أدى ثوران بركان جبل بيناتوبو في الفلبين عام ١٩٩١ إلى انبعاث كميات كبيرة من الرماد والغازات في الهواء. مصدر الصورة: Dave Harlow، USGS (هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية)
يجري البروفيسور الدكتور جورجي ستنتشيكوف، أستاذ علوم الأرض والهندسة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مع شركاء في معهد ماكس بلانك، ومعهد ناسا جودارد لدراسات الفضاء، وجامعة الملك سعود، أبحاثاً حول البراكين العملاقة القديمة، لاستنباط معلومات مهمة حول الظروف المناخية الحالية والمستقبلية.
يقول ستينشيكوف إن هناك العديد من الأسباب المهمة التي تدفعه لأن يدرس الانفجارات البركانية السابقة، ويشرح كيف يمكن للبراكين العملاقة، على وجه الخصوص، أن تؤثر على البيئة والبشرية.
ويوضح: "تساعد البراكين العملاقة العلماء على تحديد الآليات الكامنة وراء العمليات المناخية الحالية والمستقبلية. إذ أنّ الانفجارات البركانية تسمح لنا بفهم الآليات الفيزيائية للمناخ بشكل أفضل، لأنها تجارب طبيعية تدفع النظام المناخي إلى أقصى الحدود. إنها توضّح كيف يمكن لتغيير التوازن الإشعاعي للأرض أن يؤثر على المناخ. وإذا عرفنا هذا، فسيمكننا التنبؤ بشكل أفضل بالاحترار العالمي وتغير المناخ في المستقبل".
في ورقته البحثية المعنونة: الإشارات البركانية في المحيطات (مجلة البحوث الجيوفيزيائية: الغلاف الجوي)، أثبت ستينشيكوف أنه بدءاً من العام 1850، أدت الانفجارات البركانية إلى تأخير الاحتباس الحراري بمعدّل يقارب 30 بالمئة. إذ أنّ الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC، حدّد العام 1850 بوصفه خط أساس قياسي لدراسة درجات حرارة سطح الأرض، ليشمل فترة ما قبل الصناعة حتى يومنا هذا، وهي الفترة الزمنية التي تم فيها إطلاق معظم ثاني أكسيد الكربون.
يرى ستينشيكوف أننا إذا أردنا أن نفهم المناخ، فإن علينا أن نفهم آثار الانفجارات البركانية على المناخ، وأن ندرك أنّ النشاط البركاني في أي مكان في العالم يمكن أن يؤثر على الظروف الجوية للعالم بأسره. واستشهد بثوران بركان بيناتوبو عام 1991 في الفلبين كمثال، ويقول: "كان أقوى ثوران بركان في القرن العشرين، تسبب في انخفاض درجة الحرارة العالمية بمقدار نصف درجة مئوية. وكان له تأثير إقليمي قوي بشكل خاص على المناخ في الشرق الأوسط".
درس ستينشيكوف وفريقه آخر ثوران لبركان عملاق على الأرض، وهو ثوران بركان توبا العظيم، الذي حدث قبل 75000 عام في سومطرة. تدعم الأبحاث الحالية أن بركان توبا أثر على حجم السكان في ذلك الوقت، مستحدثاً ما يسمى عنق الزجاجة السكاني، وهو انخفاض حاد في حجم السكان بسبب حدث فردي.
بحيرة توبا، شمال سومطرة، إندونيسيا، موقع توبا كالديرا وثوران البركان العملاق منذ حوالي 75000 عام. مصدر الصورة: Ace King Hutauruk/ Wikimedia Creative Commons International
يقول ستينشيكوف: "تؤكد معظم الأبحاث التي أجريت على توبا أن الانفجار البركاني تسبب على الأرجح بحدوث شتاء بركاني. ذلك لأن البراكين تقذف ملايين الأطنان من الغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي. هذه الغازات هي مقدمة لتكوين الهباء الجوي الستراتوسفير – وهو قطرات صغيرة ذات تركيز عالٍ من حمض الكبريتيك، يمكن أن تبقى في طبقة الستراتوسفير لبضع سنوات، وتؤثر على المناخ من خلال عكس الإشعاع الشمسي وتبريد الأرض. وتظهر سجلات المناخ أن درجات الحرارة انخفضت بدرجة كبيرة بعد انفجار توبا العظيم، ما أثّر على السكان والماشية والبيئة".
ويعتبر ستنتشيكوف أن بعض التحليلات لا تدعم هذا الرأي. ويشير إلى الدراسات الحديثة للرواسب في قاع بحيرة ملاوي في أفريقيا التي أظهرت عدم تأثرها كثيراً بالتبريد، خاصة في المناطق الاستوائية، حيث كان معظم السكان يتركزون ذلك الوقت، لكنه يوضح: "لهذا السبب فإنّ دراستنا تنظر في التأثيرات الأكثر تنوعاً للسحب البركانية أو الانبعاثات البركانية على كيمياء الستراتوسفير".
نماذج ستنتشيكوف هي الأولى التي تفسر التأثير الإشعاعي لثاني أكسيد الكبريت على التسخين الإشعاعي ومعدلات التحلل الضوئي في الستراتوسفير. فهذا الأخير يتحكم في التفاعلات الكيميائية الضوئية في الغلاف الجوي. وقد وجد فريقه أن نسبة كبيرة من الأوزون تتلف في سياق مثل هذه الانفجارات.
يوضّح ستنتشيكوف: "نحن نعلم أن انبعاثات الهالوجينات تدمر طبقة الأوزون في الستراتوسفير. ونعلم أيضاً أن انبعاثات بركان توبا العظيم لم تكن غنية بالهالوجينات. ومع ذلك، حتى بدون الهالوجينات، لاحظنا استنفاداً قوياً لطبقة الأوزون".
البروفيسور ستينشيكوف في مكتبه بجامعة الملك عبدالله مع اثنين من طلبة الدكتوراه السابقين، يفغينيا بريديبايلو وسيرجي أوسيبوف، وكلاهما باحثان ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك للكيمياء في ماينز، ألمانيا. الصورة مقدمة من ستينشيكوف
لقد أثبتت الأبحاث في العقود الأخيرة أن استنفاد طبقة الأوزون ناتج عن مركبات الكربون الكلورفلورية. تحدث هذه الظاهرة في القطبين، ومعظمها في القطب الجنوبي حيث لا يوجد سكان، على الرغم من أن دول نصف الكرة الجنوبي مثل نيوزيلندا وأستراليا تتأثر أيضاً.
يشرح ستنتشيكوف: "في حالة توبا، وجدنا ثقباً للأوزون، ليس في القطبين ولكن في المناطق الاستوائية، وقد استمر لعدة سنوات. وهذا لم يؤثر على البشر فحسب، بل أثر أيضاً على النباتات والحيوانات. ما يعد عاملاً قوياً آخر تسبب في تدهور الظروف البيئية والانخفاض الحاد في درجة الحرارة، على نحوٍ أثّر سلباً على البشر في ذلك الوقت".
تشتمل الآلية التي تستند عليها استنتاجات ستنتشيكوف على نمذجة رياضية للنظام، يقارنها بعدئذ مع الملاحظات المرصودة. وعلى الرغم من عدم وجود العديد من الملاحظات التي يمكن الرجوع إليها منذ 75000 عام، إلا أنه يقول إن ثمّة بيانات قديمة تتوفر لدينا من ذلك الزمن.
وضع ستنتشيكوف وفريقه افتراضات فيزيائية في نموذجهم، وابتكروا سلسلة تجارب عددية توضح نتائج هذه الافتراضات. وللتأكد من أنها ذات مغزى، فقد دعموا جميع التفسيرات الفيزيائية بالنتائج.
البروفيسور ستينشيكوف في مبنى الموارد الساحلية والبحرية CMOR في كاوست يعمل مع جهاز Cimel Robotic Sunphotometer الذي يقيس العمق البصري للهباء الجوي كل 15 دقيقة، وهو جزء من شبكة NASA AeronNet. الصورة مقدمة من ستينشيكوف
يقول: "بهذه الطريقة نحاول دراسة الماضي والمستقبل. نجري عمليات محاكاة محاولين جعلها ذات دلالة إحصائية، ونجد آليات فيزيائية تفسر ما نراه. يفسر النموذج حجم التأثير التراكمي لعمليات متعددة، ولكن يجب تضمين فيزياء التأثير في النموذج، ويجب أن تكون الآلية مفهومة من قبل الباحثين".
للمساعدة في عدد من العمليات الحسابية الثقيلة المطلوبة للنموذج، يستخدم فريق ستينشيكوف الكمبيوتر العملاق في كاوست، والذي يعتبره ضرورياً للعمل، فيقول: "نحن ممتنون جداً لفرصة استخدام أحد أفضل أجهزة الكمبيوتر في العالم، وكذلك فريق الحاسب العملاق لمساعدتهم في هذا الجهد".
شارك في البحث شركاء متنوعون. وعمل فريق ستينشيكوف مع معهد ماكس بلانك MPI للكيمياء بألمانيا، ومعهد ناسا جودارد لدراسات الفضاء NASA GISS بالولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية.
يقول: "لقد استخدمنا النموذج من معهد ناسا جودارد، وعدّلناه ليشمل تأثيرات خاصة بالمشكلة. ومعهد ماكس بلانك هو رائد في تطوير الميكانيزمات الكيميائية الستراتوسفيرية. وأحد طلبتي الذين يحضرون لنيل الدكتوراه من كاوست، سيرجي أوسيبوف، هو مصمم نماذج مناخ وخبير في كيمياء الهباء الجوي/ الغلاف الجوي، لذلك عملنا على هذا معاً. وأعتقد جازماً أن عملنا المشترك طويل الأمد مع معهد ماكس بلانك مفيد لكاوست".
تؤثر الانفجارات البركانية التي تجري حول العالم تأثيراً شديداً على منطقة الشرق الأوسط. وسطياً، يكون التأثير على مناخ الشرق الأوسط أكبر بمرتين من التأثيرات على نصف الكرة الشمالي. يقول: "يتضخم تأثير المناخ البركاني في الشرق الأوسط بسبب تغير الدوران الذي تسببه الانفجارات البركانية الاستوائية القوية".
على سبيل المثال، بعد انفجار بركان بيناتوبو عام 1991 في الفلبين، كان هناك تساقط قوي للثلوج في إسرائيل وشمال الشرق الأوسط، يقول إنه شائع بعد الانفجارات القوية. وفي العامين 1991 و1992 كان لهذه الانفجارات تأثير قوي على البحر الأحمر؛ إذ شهدنا ابيضاض الشعاب المرجانية في البحر الأحمر لمدة عامين بسبب تبريد السطح وتعزيز اختلاط المياه بالقرب منه.
وفي سبتمبر من العام 2007 ثار بركان جبل الطير في جنوب البحر الأحمر، ما أدى إلى تكوين جزيرة بركانية هناك. يقول: "انبعثت من هذا الانفجار البركاني كمية لا بأس بها من ثاني أكسيد الكبريت، وكان ذلك حدثاً مثيراً للاهتمام. إذ يمكن أن يتأثر الشرق الأوسط بأكمله بالانفجارات القوية، ولهذا فمن المنطقي النظر إلى تأثيراتها في المنطقة".
أدى ثوران بركان جبل الطير في 30 سبتمبر 2007 إلى تدفق الحمم البركانية إلى المحيط. مصدر الصورة: البحرية الأمريكية
يقول ستنتشيكوف إنه لم تكن توجد دراسات أو ملاحظات كافية تتناول المرحلة الأولية للانفجارات البركانية. علاوة على ذلك، لا تقدم النماذج المناخية الحالية المستخدمة لدراسة تأثير الانفجارات البركانية تفاصيل كافية. ولمعالجة هذه الفجوة، قام هو وفريقه بتعديل النماذج الحالية من أجل فهم أفضل للمراحل الأولى لتطوير السحابة البركانية.
يشرح قائلاً: "وجدنا أن التسخين التفاضلي كان ضرورياً للانفجار الأولي للسحابة البركانية وانفصالها إلى طبقات، ما أثر على تطورها الديناميكي والكيميائي. وقد أظهر نموذجنا أنه خلال الأسبوع الأول بعد ثوران بركان بيناتوبو عام 1991، ارتفعت السحابة البركانية في الغلاف الجوي كيلومتراً واحداً في اليوم. كان الدافع وراء ذلك هو امتصاص الرماد البركاني الشمسي، وبعد ذلك امتصاص رذاذ الكبريتات للإشعاع الشمسي والأرضي".
ويشير ستنتشيكوف إلى أن هذه النتائج قد تكون مفيدة لمجموعة من الصناعات، مثل سلامة الطيران، وأنه يمكن استخدام النماذج كأدوات لفهم تقنيات المناخ والهندسة الجيولوجية.