Top

تقنية الاستشعار لمحاربة سوسة النخيل الحمراء

تظهر في الصورة يرقة سوسة النخيل الحمراء (يسار) وواحدة عند نضوجها (يمين). تقضي يرقات السوسة دورة حياتها البالغة أربعة أشهر داخل جذع شجرة النخيل. صورة من الأرشيف.

بقلم ميريس جيه ويشي، أخبار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

تعد سوسة النخيل الحمراء (اسمها العلمي: Rhynchophorus ferrugineus) نوعٌ من الخنافس النباتية التي نشأت في آسيا الاستوائية. وانتشرت هذه الخنفساء على مدى العقود القليلة الماضية، حتى وصلت إلى جزء كبير من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإلى منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها تقريباً. تتسبّب يرقات السوسة، أي الحشرات وهي في مرحلة تطورها من بيضة إلى ما قبل شكلها البالغ، بأضرار جسيمة وواسعة النطاق لأنواع معينة من أشجار النخيل.

وتقضي يرقات السوسة دورة حياتها البالغة أربعة أشهر، داخل أجذع أشجار النخيل، وتعمل على تفريغها من الداخل حتى تموت الشجرة. وتعدّ أكثر الآفات تدميراً لشتّى أشجار النخيل في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك نخيل جوز الهند ونخيل التمر ونخيل الزيت. وغنيّ عن القول إنّه من المهم السيطرة على انتشار سوسة النخيل الحمراء وعلى آثارها الضارة، خصوصاً وأن زراعة التمور والمحاصيل تمثل نشاطاً ومورداً اقتصادياً هاماً للمملكة والمنطقة عموماً.

يوضح البروفيسور خالد نبيل سلامة، الأستاذ في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، قائلاً: "تلتزم حكومات العديد من البلدان بتقديم تمويل جدي للتصدي لهذا الطاعون. إذ يمثل إنتاج النخيل صناعة كبيرة، ولقد قضت سوسة النخيل الحمراء على جيل كامل من الأشجار في العديد من البلدان، مثل ماليزيا وإندونيسيا وإسبانيا، لذا فهي بكل تأكيد مشكلة خطيرة جداً".

أهمية الاكتشاف المبكر

في محاولة لمواجهة هذا التحدي الطبيعي، تواصلت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لإيجاد طرق جديدة تكشف عن تهديدات سوسة النخيل الحمراء في مرحلة مبكرة.

وتشير الدكتورة آن فرانسواز لامبلين، المديرة في مكتب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لرعاية الأبحاث OSR، إلى أنّ: " عندما تظهر على الأشجار علامات اضطراب واضحة مثل علامة المظلة المتدلية، فإن هذا يعني عموماً أن الإصابة بسوسة النخيل الحمراء متقدمة جداً، وأنّ احتمال التمكّن من إنقاذ الشجرة منخفض جداً". لذا، فإنّ الهدف يتمثّل في الكشف عن وجود الحشرات في أبكر مرحلة ممكنة من الإصابة، لعلاج الشجرة وإنقاذها".

ويلاحظ الدكتور سلامة أن: "الجميع يحاولون الآن حل المشكلة بطرق مختلفة للكشف المبكر". إلا أن الصعوبة الرئيسية للمشكلة تكمن في أن المرض كله يحدث داخل الشجرة. لذلك فإنّ طرق الكشف المبكر تركّز على معرفة ما إذا كانت السوسة تعيش داخل الشجرة، حتى يتمكن الخبراء من اتخاذ الإجراءات المناسبة والقضاء عليها قبل أن تفتك بها.

ومن هنا، استضاف مكتب كاوست لرعاية الأبحاث مؤتمرات جمعت خبراء دوليين لدراسة تحدي سوسة النخيل الحمراء. ففي العام الماضي، اجتمع الباحثون في كاوست لحضور ورشة عمل متعددة التخصصات، لتبادل المعرفة حول سوسة النخيل الحمراء ومناقشة الأساليب الهندسية، التي يمكن تطبيقها للكشف المبكر عن الآفة، من خلال استهداف ثلاث محاور رئيسية: الكشف الصوتي، والكشف الكيميائي الشمي، وتحليل الصور متعدد الأطياف.

تأتي أولى الإشارات، التي يمكن اكتشافها لشجرة مصابة، من الضجيج الناجم عن اليرقات عندما تتحرك داخل الجذع أثناء أكلها. وكذلك تطلق اليرقات، أثناء عملها داخل الشجرة، مركبات عضوية متطايرة. ومن المحتمل لبعض هذه المركّبات أن تنشأ من الشجرة التي تتعرض للتلف، وأن يأتي البعض الآخر من المنتجات الهضمية لليرقات أو برازها. وتعدّ المركبات العضوية المتطايرة، وتحديدها، وتطوير أجهزة استشعار كيميائية لها، أساس طريقة الكشف الكيميائي الشمي.

أخيراً، مع تقدم العدوى وتآكل الجزء الداخلي من الشجرة، يغدو تدفق الماء من الجذور إلى المظلة ضعيفاً. وبالنتيجة ترتفع درجة حرارة مظلة الشجرة، وهذا يمكن ملاحظته من خلال صور متعددة الأطياف، باستخدام تقنية الأشعة تحت الحمراء.

يستعين البروفيسور ماثيو ماكابي، من مجموعة الهيدرولوجيا ومراقبة الأراضي التابعة لكاوست، بالطائرات المسيّرة من دون طيار لإجراء تحليلات متعددة الأطياف لحقول أشجار النخيل الكبيرة. وهو يبحث عن علامات الإجهاد في الأشجار، مثل الأشجار المستنزفة من الماء.

وتشرح لامبلين: "لا يعدّ هذا النظام نظام اكتشاف بالمطلق، ولكن مع وجود عدداً كبيراً جداً من الأشجار للمراقبة على مساحات شاسعة جداً، فهو يعدّ نظام ترشيح وفلترة مكان البحث عن الأشجار المعرضة للمرض ومواقع العدوى المحتملة. ويُعتقد أن الشجرة الضعيفة أكثر عرضة للإصابة بعدوى سوسة النخيل الحمراء. وإذا تم اكتشاف بقعة ساخنة، يمكن بعد ذلك إرسال شخص إلى الإحداثيات المرصودة، لفحص الشجرة واتخاذ الإجراء المناسب".

ضمّت ورشة عمل 2018 لمكتب رعاية الأبحاث في كاوست، التي ركّزت على معالجة تهديد سوسة النخيل الحمراء، خبراء من جامعة الملك سعود في المملكة ومن أستراليا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وسريلانكا، وهي الدول التي عانت من خسائر زراعية هائلة من هذه الآفة. وتقوم الجهود البحثية المشتركة بين هذه الجهات على قدم وساق. كما تعمل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من خلال استخدام حقول تجارب بيئية خاضعة للرقابة للعثور على حلول، وفقاً لتكليف وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية.

الحاجة إلى تقنيات كشف رخيصة الثمن وقابلة للتطوير

تنعم المملكة بأعداد كبيرة من مزارع النخيل، وتتطلّب مراقبة أشجار هذه المزارع تقنية كشف مبكر يمكن إدامتها على نطاق واسع، وبأقل تكلفة.

وتبيّن لامبلين: "نحن بحاجة إلى تطوير تقنيات حساسة للغاية وقوية وذات إنتاجية عالية، وسهلة الاستخدام ورخيصة التكاليف في آن واحد. هذا مهم لأن هذه الأدوات سيستخدمها مزارعون، تعدّ آلية الإنتاج لديهم حساسة للوقت والتكلفة معاً. ويجب ألا يزيد الحل من تكاليفهم، لدرجة إنفاق عائدات الحصاد ببساطة على شراء وصيانة تلك الأدوات".

إحدى الطرق المستخدمة للكشف عن علامات الإجهاد المبكرة في أشجار النخيل، هي استخدام أجهزة الاستشعار. ويجري حالياً تطوير مجموعة متنوعة من أجهزة استشعار الكشف المبكرK يمكنها اكتشاف المركبات العضوية المتطايرة. بالنسبة لأحد أجهزة الاستشعار، يبحث فريق المركبات العضوية المتطايرة بقيادة البروفيسور أرناب باين، الأستاذ في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، عن تسخير البروتينات الخاصة بحاسة الشم لدى سوسة النخيل الحمراء. هذه البروتينات تطلبها الحشرات للكشف عن المركبات الفيرومونية العضوية المتطايرة. والفيرومونات هي إشارات كيميائية تستخدمها الحشرة للتواصل وجذب الحشرات الأخرى. تركز هذه الطريقة على اكتشاف الآفة قبل أن تبدأ عملية العدوى.

من جانبه، يركز البروفيسور سلامة جهوده على أجهزة الاستشعار الصوتية. وهي أجهزة تنصّت تعمل بشكل مشابه لكيفية استخدام الطبيب سماعته لسماع دقات القلب، فهي تكتشف ضجيج سوسة النخيل الحمراء الذي يأكل جذع الشجرة من الداخل.

يوضح سلامة: "نستخدم طريقةً تتضمن أساساً لصق شيء يشبه الإبرة داخل الشجرة، ثم نوصلها بسمّاعة. ونحاول حالياً تحسين حساسية الجهاز كي نتمكن من اكتشاف كميات أقل من السوسة".

ثمّة تحسين آخر يعمل عليه سلامة، وهو تطوير أجهزة استشعار سمعية يمكن وضعها خارج الشجرة من دون الحاجة إلى ثقبها وإغلاق الفتحة بعد ذلك. كما يحاول البروفيسور بوون أووي، من مختبر الكهرباء الضوئية (فوتونيكس) في كاوست، أن يعالج المشكلة باستخدام الألياف البصرية شديدة الحساسية للضجيج. يتضمن منهجه لفّ كبلات ألياف بصرية حول كل شجرة على حقل كامل، وكشف تباينات الضجيج.

يعدّ الاكتشاف المبكر لسوسة النخيل الحمراء في الأشجار المصابة مشكلة صعبة، وقد تتطلب أكثر من طريقة لحلها. والأساليب التي يجري البحث عنها حالياً متكاملة، ويمكنها إفادة بعضها البعض، مما يساعد الباحثين على تقييم مستويات الدقة والحساسية، وتحسين أداء أدواتهم.

وتشمل الأساليب الأخرى المستخدمة حالياً نشر الكلاب المدربة على استخدام حاسة الشم القوية للكشف عن الأشجار المصابة من خلال الرائحة المنبعثة. كمستشعر كيميائي لحاسة الشم، تتحلى الكلاب بحساسية ودقّة عالية، وتعدّ معياراً مرجعياً ذهبياً في هذا الصدد. لفهم ما يشير إليه الكلب بوضوح، يتم تجهيز الكلب بسترة استشعار تساعد على التقاط وتفسير التغييرات الدقيقة في سلوكها وفيزيولوجيتها أثناء تجولها بحثاً عن الأشجار المصابة. هذه التغييرات قد لا تلحظها عين الإنسان. ويعدّ استخدام الكلاب مناسباً أيضاً لفحص مناطق الحجر الصحي، حيث يسهم تصدير واستيراد الأشجار المصابة في انتشار الآفات عبر المناطق.

تعمل طرق الكشف هذه على مستويات مختلفة، وجميعها قد تساعد على تضييق مجال البحث وتوجيه البشر إلى النقاط الساخنة. ويجب على جميع هذه الطرق أن تختتم بالتفتيش البصري الدقيق للأشجار المصابة، ليتخذ الخبراء بعد ذلك قراراً مناسباً، سواء أكان ذلك علاجاً كيميائياً، أو اقتلاع الأشجار والتخلص منها. ويرى سلامة أنه: "هناك حاجة لتطوير حل آلي وغير مكلف وقادر على توفير المراقبة المستمرة".