Top

العمل في معمل المادة المضادة

منظر من داخل منطقة تجربة ألفا للمنظمة الأوروبية للبحوث النووية، سيرن ٢٠١٦ -٢٠١٨

-بقلم سونيا توروسينسكي، أخبار كاوست

ما الذي حدث في بداية الكون؟ من ماذا صُنع الكون؟ هل يتوسع الكون؟

هذا جزء من الأسئلة الكبيرة التي يعمل باحثون في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية، التي تقع في جنيف في سويسرا، على الإجابة عنها. ويعتبر محمد سميد، الذي تخرج من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية حاملاً درجة الماجستير في علوم وهندسة المواد في 2012، أحد علماء الأبحاث هؤلاء. ويعمل سميد في تجربة ألفا (جهاز فيزياء أشعة الليزر للهيدروجين المضاد) باستخدام أشعة الليزر لقياس خواص الهيدروجين المضاد.

يستخدم الباحثون في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية عدداً من الأدوات لصنع المادة المضادة في حالة يمكن دراستها  حيث أن المادة المضادة لا توجد بسهولة في الكون الذي يمكن رصده. ولكن غياب المادة المضادة في كوننا يناقض الأبحاث النظرية والتجريبية حتى يومنا هذا.

مقطع عرضي لمعجلات الهيدرونات العملاقة الأربعة: ALICE, ATLAS, CMS and LHCb، المنظمة الأوروبية للبحوث النووية 2014-2018


حل ديراك غير المتوقع

كي ندرك ذلك، علينا العودة إلى عام 1928، عندما بادر الفيزيائي البريطاني بول ديراك إلى دمج ميكانيك الكم مع النظرية النسبية لإينشتاين. ونجح ديراك في حل المعادلة التي وصفت سلوك الإلكترونات في كوننا بدقة متناهية، ولكنه توصل إلى حلين محتملين، أحدهما عن إلكترون موجب الطاقة، وآخر سالب الطاقة.

لقد كانت الفيزياء حتى هذه النقطة تقول باستحالة حل الطاقة السالبة، ولكن ديراك تجاهل ذلك. وبعد بضع سنوات، عاد إلى المعادلة وخمّن إمكانية وجود شيء ذي خواص معاكسة للإلكترون، مفترضاً إمكانية وجود الإلكترون المضاد.

وشرح سميد ذلك قائلاً: "كان الأمر مسألة حظ أو عبقرية"، إذ أن عالماً آخر هو كارل أندرسون اكتشف جسيم الإلكترون المضاد بعد عام فقط في إحدى تجاربه.

لم يتنبأ ديراك وأندرسون بكمية المادة المضادة التي كانت موجودة وقت حدوث الانفجار العظيم، ولكن الأبحاث الحالية تبين أن خلق أي مادة يؤدي أيضاً إلى خلق مادة مضادة بالكمية نفسها. لذلك، من المتوقع وجود مقادير متساوية من المادة والمادة المضادة بعد الانفجار العظيم مباشرة، ولكن الوضع لم يكن على هذا النحو.

ومن التعقيدات الأخرى أن المادة والمادة المضادة تبطلان بعضهما بعضاً عندما تتلامسان، ولاحظ سميد قائلاً: "إن كان هذا صحيحاً، فلا ينبغي أن يكون الكون كما نعرفه موجوداً؛ ولا ينبغي أن يوجد هذا الفائض من المادة التي نراها في كوننا".

احتجاز الهيدروجين المضاد

بهدف تسليط الضوء على أسئلة أساسية كهذا السؤال، تبدأ تجربة ألفا من الأساسيات لفهم الخواص الأساسية للهيدروجين المضاد. لقد بدأت الأبحاث بالهيدروجين المضاد، لأنه المادة المضادة ذات الصيغة الأبسط، ويتكون من إلكترون مضاد واحد فقط وبروتون مضاد واحد، مما يؤدي إلى شحنة متعادلة.

لا يعتقد سميد أننا سنشهد تجارب مع عناصر مواد مضادة أخرى في وقت قريب، ولكن تجربة ألفا حققت في الأعوام القليلة الماضية نجاحاً باهراً. ونجحت في 2010/ 2011 في احتجاز ذرات الهيدروجين المضاد للمرة الأولى.

الباحث محمد سميد، الذي تخرج من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بدرجة الماجستير في هندسة وعلوم المواد في 2012، ويعمل في تجربة ألفا في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية (سيرن).

وشرح ذلك قائلاً: "تمكنّا وقتها من احتجاز ذرة هيدروجين مضاد كل 15 دقيقة فقط مثلاً. ويعني هذا أن عملية قياس واحدة كان تستغرق أسابيع لضرورة تكرار القياس توخياً للدقة، ولكننا كنا نعمل أيضاً على تحسين تقنيات الاحتجاز. ونجحنا في 2016 بضربة حظ وعبقرية في تحسين تقنيتنا كثيراً حتى بات من الممكن احتجاز 20 ذرة كل أربع دقائق. وما كان يستغرق شهوراً، صار يستغرق بضعة أيام فقط".

وصمم الفريق تقنية لتصنيع هيدروجين مضاد بارد، أي أن الذرات كانت أقل نشاطاً بسبب انخفاض درجة الحرارة، مما يسهل من احتجازها ودراستها. وأعطى هذا الباحثين فرصة إجراء أكثر القياسات دقة للهيدروجين المضاد حتى تاريخه وقياسه في حالة الخمود وفي الحالة النشطة، ونشر النتائج التي حصلوا عليها في مجلة "Nature" باستمرار.

الهيدروجين المضاد المتفاعل مع الجاذبية

بعد هذه السلسلة من النجاحات، انتقلت تجربة ألفا إلى مجال غير مكتشف: الهيدروجين المضاد المتفاعل مع الجاذبية.

وقال سميد: "لم تدرس المادة المضادة من منطلق الجاذبية نظراً إلى الحاجة إلى ذرة متعادلة. وفتحت أمامنا آفاق دراسة أثر الجاذبية بعد أن أصبح بإمكاننا العمل مع الهيدروجين المضاد المتعادل".

ويعمل سميد وزملاؤه على بناء الأداة الجديدة ألفا جي «ALPHA-g» لإنجاز ذلك. وتُعدّ «ألفا-جي» أداة تمنح الباحثين فرصة إجراء إطلاق مضبوط للهيدروجين المضاد ورصد سلوك الذرة.

وشرح سميد ذلك قائلاً: "ليس لدينا أية نظريات عن جاذبية المادة المضادة. لكن يمكن إفتراض أن المادة المضادة تسقط أيضاً، بما أن كافة المواد تسقط بفعل الجاذبية الأرضية، ولكن المشكلة تتمثل في غياب أية نظرية للتنبؤ بهذا".

ويسخر سميد والمشرف عليه من جامعة مانشستر، خبرتيهما الهندسية العالية لعمل التصميم والتنفيذ الكامل لتجربة الجاذبية، وذلك من المعدات الحاسوبية إلى البرمجيات اللازمة للتحليل والنشر. وهما يحاولان إنجاز ذلك قبل نهاية الصيف أو بداية الخريف قبل أن توقف أكبر مسرّع جسيمات، معجل الهيدرونات العملاق، عن تحطيم الجزيئات للخضوع لصيانة مجدولة مدتها عامان.

قبة العلوم والابتكار في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية (سيرن) 2016 -2018.

باحثون مستقبليون

يقول سميد إن المنظمة الأوروبية للبحوث النووية تحتاج إلى باحثين وطلبة، من كافة الخلفيات ومستويات الخبرة للمساعدة على فهم الكون.

وقال سميد: "تحتاج المنظمة الأوروبية للبحوث النووية إلى الكثير من المواهب الجيدة في الهندسية والحواسيب والرياضيات التي يبرع بها طلبة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. ومن المهم جداً قدوم طلبة وباحثين ما بعد الدكتوراه للزيارة أو للتدريب العملي. ومن العظيم أن تصبح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية من المساهمين في هذا المشروع. لقد قدم عدد كبير من كبار العاملين إلى المنظمة الأوروبية للبحوث النووية من خلال برنامج المنظمة الصيفي، الذي يعتبر مدخلاً وأداة توظيف جيدة. فالإعلان يظهر للناس ببساطة أنهم يستطيعون المساهمة.

وأضاف: "كثيرون منا يقللون من شأن إمكاناتهم. ويجب أن نترك المسؤولين في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية يقررون إن كنّا مؤهلين كفاية. ربما لا نظن أننا فيزيائيون جيدون، ولكننا قد نملك خبرات في مجال محدد تحتاجه المنظمة. ومن المهم ألا تقلل من شأن إمكاناتك"

.