Top

قل لي ماذا تأكل، ومتى تأكل، أقل لك من أنت!

ألقى الدكتور باولو ساسوني-كورسي، مدير مركز التخلّق والاستقلاب في جامعة كاليفورنيا في إرفاين، محاضرة في ١٣ يناير ضمن برنامج الإثراء الشتوي للعام ٢٠١٩ في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. عدسة أندريا باخوفين-إخت.

-بقلم تانيا بيترسن، أخبار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

سمعنا في السابق مقولة "أننا ما نأكل"، لكن يبدو أن هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث المتطورة تكشف أيضاً عن "أننا متى نأكل"!. يعود كل هذا إلى إيقاعنا اليومي وساعاتنا الموجودة في كل أعضاء وأنسجة وخلايا أجسامنا.

افتتح الدكتور باولو ساسوني-كورسي، مدير مركز التخلّق والاستقلاب في جامعة كاليفورنيا في إرفاين، برنامج الإثراء الشتوي للعام 2019 في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بمحاضرة ألقاها في 13 يناير، حيث أخذ الجمهور في رحلة عبر الزمن ، موضحاً أن ساعاتنا البيولوجية تطورت على مدار مليارات السنين متزامنة مع دوران كوكبنا، ودورات النهار والليل على مدار 24 ساعة.

لكن، بعد حوالي أربعة مليارات سنة من التطور الذي نظّم وظائف الأعضاء ودارات البيولوجيا وفق طريقة معينة، أدخلت الحياة المعاصرة إلى حياتنا الأضواء الكهربائية والتلفزيون والطائرات والوجبات السريعة.

أوضح ساسون-كورسي أن هذه التغيرات الدراماتيكية جرت في القرن الماضي فقط، أي خلال قطرة من محيط الزمن البيولوجي، وأنّ هذه التغيّرات أشبه بعصا الديناميت الذي يفخّخ أجسامنا. ولهذا السبب أيضاً فإنّ فهم الإيقاع اليومي هو مجال بحث قابل للتفجّر.

ولاحظ ساسون-كورسي أن مجال الإيقاع اليومي شهد نمواً كبيراً منذ أن بدأتُ به قبل 25 عاماً، مستقطباً الباحثين في علم الأعصاب ودورات الخلايا والسرطان والاستقلاب وما إلى ذلك. الجميع يقاربون هذا المجال بسبب الأهمية المركزية لهذه الإيقاعات.

ساعة تتحدث الى آلاف الساعات

المفتاح في فهم كيفية تأثير ساعاتنا اليومية هو فهم كيفية عملها. يعتقد الباحثون أن ثمّة جزءاً صغيراً من الدماغ- النواة فوق الصوتية- يعمل كضابط إيقاع رئيسي فينا. ليس فقط كعنضر ضبط يسيطر على دورات النوم والاستيقاظ، بل أيضاً كساعة مركزية تتحدث إلى آلاف الساعات الأخرى. بيد أنّ الغموض ما زال يكتنف كيفية مزامنة جميع ساعاتنا والتنسيق فيما بينها.

أشار الدكتور باولو ساسوني-كورسي خلال برنامج الإثراء الشتوي للعام 2019 في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، إلى أن مجال الإيقاع اليومي ينمو بسرعة منذ أن بدأ العمل فيه منذ 25 عاماً. عدسة أندريا باخوفين-إخت.

 
يدرك العلماء الآن أنّ من الممكن فصل الساعة المركزية عن الساعات المحيطية بطريقتين رئيسيتين: من خلال التمرين، ومن خلال متى وكيف نأكل. هذا مهم لأن الباحثين وجدوا أن تعطيل التوافق بين ساعاتنا، يمكن أن يكون له تأثير كبير على صحتنا.

في تجارب التغذية المقيدة زمنياً، وجد الباحثون أن فئراناً متماثلة تغذت بالطعام ذاته وبعدد السعرات الحرارية ذاتها، ولكن في أوقات مختلفة من اليوم، اكتسبت كميات مختلفة من الوزن.

قال ساسوني-كورسي: "ما يحدث منتصف الليل هو أنك تخلّ بدورات الاستقلاب الجميلة تلك، المستعدة لهضم الطعام وليس للحصول على مزيدٍ منه. اذ تضع هذه الدورات الاستقلابية، وتلك الجينات، تحت مستوى كبير من الإجهاد. إذا كنت تشتهي طبقاً من البرغر، يرجى تناوله منتصف النهار، وليس منتصف الليل!".

تغيير ساعتنا

في تجربة أخرى، تغذّت الفئران إما بغذاء طبيعي أو عالي الدسم، وبعد 10 أسابيع، جُمعت عينات الأنسجة لتحليلها. كان الفأر الذي تغذى غذاءً عاديّاً يعمل بشكل صحيح وفق الساعة البيولوجية، في حين فقد الفأرُ ذو الطعام الغني بالدسم هذا الإيقاع.ثمّ أشار ساسون-كورسي إلى أن أكثر النتائج إثارة هي أنه يمكننا في الواقع تغيير ساعاتنا. وقال: "لديك ساعة جديدة تحدث. وأنت لا تفقد نشاطك اليومي العادي، أنت فقط تغيره. وهذه الجينات، الفعّالة الآن تحت نظام غذائي دسم، هي التي تسبب لك الإلتهابات والإجهاد".

طلب الدكتور باولو ساسوني-كورسي، مدير مركز التخلّق والاستقلاب في جامعة كاليفورنيا في إرفاين، من جمهور برنامج الإثراء الشتوي للعام 2019 في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أن يأكلوا أو يشربوا ما يشتهون من طعام أو شراب في منتصف النهار، فهذا لا يخلّ الدورة الاستقلابية للجسم كما لو تناولوها عند منتصف الليل. الصورة تقدمة شترستوك.

لدى ساسون-كورسي وفريقه مفهوم يسمى "ساعات التواصل". وهم يعتقدون أن كل ساعاتنا وخلايانا تتحدث مع بعضها البعض، وفي تجربة حديثة، أرادوا معرفة ما إذا كان تغيير أحد الأعضاء سيؤثر على ساعة جهاز آخر.

واكتشفوا أن سرطان الغدة الرئوية، وهو نوع من سرطان الرئة، غيّر بالفعل من وظيفة ساعة واستقلاب الكبد، ما أدى إلى تثبيط إشارة الأنسولين، وتغيير حساسية الغلوكوز، وإلغاء استقلاب الدهون.وهذا أمرٌ مهم برأي ساسوني-كورسي الذي قال: "مريض السرطان سيحصل على علاج كيماوي، ويتعيّن أن يحصل عليه في الوقت المناسب من اليوم". وأضاف: "إذا أعطيته في الوقت غير المناسب من اليوم، فلن ينجح. علينا أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أن الكبد لن يكون كبداً طبيعياً. نحن بحاجة إلى دراسة ذلك بمزيد من التفصيل، وأعتقد أن المستقبل سيكون مُشرعاً أمام علم صيدلة الكروموزومات، فالعقاقير تُقدَّم إلى الناس في الوقت المناسب من الليل أو النهار".

مستقبل الطب الشخصي

وأبعد من ذلك، شرع الباحثون بدراسة مشتركة كبيرة مع البروفيسور بيير ماجستريتي والبروفيسور فاليريو أورلاندو الأستاذين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، تهدف إلى استقصاء آلاف المستقلبات في كل عضو لفهم كيفية تغيير استجابتها للغذاء منخفض الدسم أو عالي الدسم. ويعتقد ساسون-كورسي أن هذا هو مستقبل الطب الشخصي.

أخبر الدكتور باولو ساسوني-كورسي، مدير مركز التخلّق والاستقلاب في جامعة كاليفورنيا في إرفاين، جمهور برنامج الإثراء الشتوي للعام 2019 في محاضرته التي ألقاها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أنّ لكل شيء في جسم الإنسان، من حيث المبدأ، ساعة بيولوجية. عدسة أندريا باخوفين-إخت.

وقال: "يمكننا أن نذهب ونحلل المستقلِبات الحيوية عبر التحديد النمطي للجميع، بغية فهم كيفيّة تغيّر المستقلبات في مجتمعنا المعاصر. ونحن نعرف أن هذا يرتبط بساعات التواصل".

بالنسبة إلى ساسون-كورسي، فإنّ هذا يؤكد كيف أن لكل شيء ساعةً بيولوجية وإيقاعاً.

قال: "كل هذه الهرمونات الجميلة التي سمعتم عنها في جسدكم لها ساعة. يمكنك النظر إلى عدد خلايا الدم، فهي تتأرجح خلال النهار والليل. إذن، ما هي الساعة البيولوجية اليومية فعلاً وكم هو انضباط جسمك معها؟". واختتم قائلاً: "سوف تندهشون، فمن حيث المبدأ: لكل شيء ساعة".